حسين بن حمزة
أول ما يلاحظه القارئ في مجموعة راجي بطحيش القصصية «غرفة في تل أبيب» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) أن مؤلفها كتب نصوصه بدافع المتعة، لمتعته أولاً ومتعة القارئ لاحقاً. لعل سبب هذه المتعة يكمن في سعي المؤلف إلى إنجاز قصص يتخلى فيها، طواعية وعمداً، عن المتطلبات التقليدية للقصة. ثمة تجريب ورغبة في كتابة تبدأ وتنتهي وفق مزاج خاص. كتب بطحيش الشعر أولاً، ثم تحول إلى النثر. الأرجح أنّ في ذلك دلالة على ضجر مبكر وسريع من تقسيمات معينة في الكتابة، وهذا ما يجعله غير مبالٍ بتقديم فروض طاعة لمعايير النص الذي يكتبه. هذه اللامبالاة تنسحب حتى على الموضوعات والأحداث التي نقرأها في نصوصه. البطولة في هذه النصوص ممنوحة للأسلوب والقدرة على ابتكار مادة سردية غير معلوكة من كثرة الاستعمال، وتدوينها بطريقة تدل على أن ثمة مزاجاً ونبرة ذاتية يتدخلان في صياغتها.
يوزع راجي بطحيش نصوص المجموعة على أربعة أقسام. ورغم تميز معظم نصوص الكتاب، إلا أن القارئ لا بدّ من أن يفضّل، في النهاية، النصوص السبعة التي تضمنها القسم الأول. تحت عنوان «عن البلاد والفنادق»، يختار راجي بطحيش سينوغرافيا موحدة لأبطاله. تدور الأحداث في غرف الفنادق. ربما كان وصف «أحداث» فضفاضاً على ما يجري فعلاً في هذه النصوص المكتوبة بحساسية السينما. ثمة كاميرا خفية، ذات نبرة جافة وغير متعاطفة، تعرض التفاصيل على القارئ. الطابع الطارئ والعابر والغفلي لغرف الفنادق يتحول، بحد ذاته، إلى تقنية أسلوبية. وهذا ما يضاعف من تأثير القصص التي تحدث داخل هذه الغرف. اللافت أنّ حرب تموز الأخيرة تسهم في صنع المساحة الأوسع من السرد. أما الضلع الثالث في المثلث السردي لهذه القصص، بعد غرفة الفندق والحرب، فهو التلفزيون.
يرسم المؤلف، عبر فكرة التلفزيون، البيئة الصغيرة، الحميمية والموحشة، التي تحيط بأبطاله. في القصة الأولى، وفي غرفة طارئة في ولاية يوتا، يتذكر هيثم، بينما يتنقل بين القنوات التلفزيونية، أن الحرب تزامنت مع حصوله على منحة الدكتوراه. في القصة الثانية، يأتي جاد إلى القدس، عازماً على الانتحار في أحد فنادق المدينة القديمة. في القصة الثالثة، الكاتبة سلسبيل، المدعوة إلى مهرجان أدبي في عمان، تقلب في رأسها فكرة مضاجعة حامل الحقائب الذي يسبقها إلى غرفتها. في قصة أخرى، تحضر الحرب التي وصلت صواريخها إلى حيفا. نتابع حواراً عقيماً بين أفرايم المهاجر البولوني وهديل الفلسطينية اللذين يلتقيان مرة كل شهر في الفندق نفسه وسط تل أبيب لتبادل جنس سري وسريع. أما بطلة قصة «كلود»، فتلاحقها أخبار الحرب إلى غرفة فندقها الباريسي...
ثمة تفاصيل قصصية وأسلوبية كثيرة يصعب تناولها من دون قراءة القصص نفسها. إنها دعوة للقارئ ليكتشف نبرة شابة باتت تترسخ في السرد الفلسطيني. لنتذكر، إضافة إلى بطحيش، عدنية شبلي وعلاء حليحل وماجد عاطف.. وغيرهم.