بيار أبي صعب
ليست ترجمة عادية لقصائد آرتور رامبو (ونصوصه)، تلك التي يقترحها كاظم جهاد على المكتبة العربيّة. «الآثار الشعريّة»، قبل كل شيء، سيرة ذاتية (ثقافيّة) للناقد والمترجم العراقي المتربّع في منفاه الفرنسي منذ عام 1976. هذا العمل الضخم هو جزء من حياة كاظم جهاد، وسيرورة وعيه اللغوي والفكري والشعري. بين سيرة «العابر الهائل» (بنعال من ريح) ونتاجه وتطوّر الخطاب النقدي المرافق لهذا النتاج، وسيرة الشاعر العراقي (1955) وتجربته النقدية نقاط تقاطع عدّة. يكفي أن نقيس المسافة التي تفصل الطبعة الأولى من ترجمته لرامبو (1996، منشورات اليونسكو) عن الطبعة الحالية، كي نفهم كيف سافر إلى أعماق التجربة، كمن يحاول أن يتعلّم الكتابة والشعر والحياة. لم يتوقف الرجل الطويل والجريح عن معاشرة رامبو، طوال هذه السنوات، عن مساءلة «الرامبويّين» (ألان بورير وألان جوفروا قدّما للترجمة، إلى جانب عباس بيضون)، والغوص في ثنايا النص بحثاً عن روحه السريّة، وأبعاده الدفينة...
قراءة الطبعة الجديدة من «الآثار الشعريّة» (منشورات الجمل/ آفاق للنشر والتوزيع)، تبدأ من الحواشي والشروح المستفيضة التي تتوقف عند الخلفيّات والتفاصيل... كأن كاظماً يريدنا أن نحيط بصاحب الـ«إشراقات» أقرب خلانه، بالشغف نفسه الذي يلامس حدود التماهي. ما همّ ألا توافق، على هذه الصيغة أو تلك المفردة. أنك هنا أمام عمل مرجعي، هو الشاهد الأمين على سنوات حاسمة في الوعي الثقافي العربي، استوعب خلالها جيل كاظم جهاد فلاسفة مثل جاك دريدا (الذي ترجم له «الكتابة والاختلاف» عن «دار توبقال»، 1988) وجاك رانسيير... وصار بالإمكان إعطاء النصّ الرامبوي حضوراً أكثر كثافة ونضجاً من محاولات سابقة كتجربة خليل خوري وآخرين.