strong>محمد خير
  • «قص ولزق» بين الببغاء والصقر الذهبي وشبّاك التذاكر

  • إنّها من رموز الجيل الشاب الذي يقاوم سينما المهرّجين الجدد في مصر. حقّقت فيلماً لافتاً عن الأحلام المجهضة في مجتمع مأزوم. لكن الحفاوة التي لاقتها في روتردام، بعد القاهرة، لم تكن كافية. وإيرادات «قص ولزّق» لم تأتِ بمستوى الفيلم الأول الذي صنع شهرة مخرجته. هالة خليل... لماذا خذلها الجمهور؟

    الاهتمام الذي أثارته هالة خليل أخيراً في الخارج، جاء ليكمّل الحفاوة القاهرية بفيلمها الذي صفق له النقاد طويلاً، بعد أن حظيت باكورتها الروائية الطويلة «أحلى الأوقات» باهتمام النقاد وإعجاب الجمهور، عادت المخرجة المصرية لتلفت النظر بـ «قص ولزق» الذي منحه «مهرجان روتردام للفيلم العربي» جائزة الصقر الذهبي. فهل كانت لجنة التحكيم التي ترأسها الناقد اللبناني إبراهيم العريس تريد مكافأة السينما المصرية الجديدة؟
    السينما الشابة التي تقاوم أفلام المهرّجين الجدد في مصر، تطلّ بقوّة من خلال هذا العمل الذي كتبته المخرجة بنفسها. لكنّ لشباك التذاكر هذه المرّة رأياً آخر. الحفاوة النقدية التي استقبلت فيلمها الأول، تطابقت مع حركة إقبال المشاهدين، أمّا هذه المرة فإن الجمهور لم يلبّ النداء... ما أدى إلى انخفاض عدد الدُّور التي تعرضه من 35 إلى 17 فقط: إيرادات «قص ولزق» لم تزد في أسبوع عرضه الأول على 100 ألف دولار أميركي. وها هي تشهد انخفاضاً مع احتدام المنافسة وبدء عرض الأفلام الصيفية تباعاً. علماً أنّ الأعمال الأكبر لم تُعرض بعد، مثل أفلام عادل إمام ومحمد هنيدي ومحمد سعد وأحمد حلمي... التي تُعرض على الشاشات كلّها خلال الشهر الحالي أي بعد مرور خمسة أسابيع على بدء عرض «قص ولزق».
    عندما فازت هالة خليل بجائزة الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي، توقّع بعضهم أن يحقّق شريطها إيرادات تحفظ ماء وجهه على الأقل... ثم جاء «مهرجان دبي» ليسدّد الضربة الأولى، إذ أُخرج الفيلم من المنافسة بخفي حنين. المخرجة التي كانت، قبل سنوات، وراء «تأسيس» موسم سينمائي جديد، أطلق عليه النقّاد والمنتجون اسم «موسم الربيع» ـــــ نتيجة تحقيق فيلمها الأول إيرادات جيدة ــــ تشتكي هذه المرّة من الموزّعين الذين دفعوا بفيلمها إلى مذبحة الصيف، بعد تأجيل عرضه مراراً، وتسبّبوا بالخسارة الفادحة. لكن السؤال الأهم هنا هو: هل يستحق الأمر كل هذا الضجيج؟ «قص ولزق» فيلم جيد بالتأكيد. على الأقل هو عمل أرادت مخرجته أن تقول شيئًا من خلاله، ورغبت في صنعه بمقوّمات فنّية متميزة. في عمل هالة خليل، شبان لهم ملامح محدّدة ووظائف واضحة أو بطالة لها مسبّباتها. الشخصيات لا تفتقر إلى عمقها الإنساني، واللغة مستوحاة من الشارع والبيوت ومن إعلانات الصحف المبوّبة: تحاول جميلة بيع عصفور ملوّن على أنّه ببغاء، تردّد هذه العبارة لزبائنها من دون انقطاع: ببغاء زنجباري، متكلّم جيد، تردّد العبارة كأنّها ببغاء.
    جميلة (حنان ترك) آنسة في الثلاثين تقيم مع والدتها (سوسن بدر)، وتعمل وسيطة للبيع والشراء... تتابع الإعلانات في الصحف، وتتصل بأصحابها و «تحشر» نفسها في الصفقات الهزيلة: هواتف خلوية، أنتيكات... هي تبذل كل غال لتحقيق هدف واحد: الهجرة! توصّلت بعد بحث طويل إلى الإجراءات اللازمة للهجرة إلى نيوزيلندا. تطلب السفارة مجموعةً من الشروط يساوي كل شرط مجموعةً من النقاط. إذا تحقّقت لدى طالب الهجرة شروط تساوي قيمتها 23 نقطة على الأقل، يحقّ له الهجرة. هكذا، تحاول جميلة تلبية الشروط وجمع النقاط، وتكاد تنجح لولا مشكلة واحدة: أخبرها المحامي أنّها ببلوغها الثلاثين، فقدت عدداً من النقاط لن تعوّضها إلا بطريقة واحدة وهي الزواج. هنا يأتي دور يوسف!
    يوسف (شريف منير) يعاني ظروفاً شبيهة بتلك التي تعانيها جميلة. يقيم مع شقيقه الأكبر في الشقة نفسها، ويعمل في مهنة شحّ الطلب عليها كثيراً. فهو «فني دش» يركّب أطباق الساتلايت فوق أسطح البنايات. لكنّ البلاد امتلأت بالأطباق حتى التخمة وأصبح كثيرون يجيدون التركيب بأنفسهم، فقلّ الطلب على مهنة يوسف. هكذا، يلتقي هذا الأخير بجميلة لدى زبونة مشتركة تريد أن تبيع آلة Harpe، يتعرّفان وينجذب واحدهما إلى الآخر. وتلمع الفكرة في رأس جميلة. لمَ لا يتزوجان؟ بذلك، يلبّيان شروط الهجرة وتحقّق جميلة حلمها، ويترك يوسف الشقة لشقيقه المرتبط منذ سنوات والذي لا يستطيع الزواج لأنّ أهل خطيبته يرفضون أن يقيم في الشقة شقيق الزوج.
    يتزوج يوسف وجميلة من دون أن تعلم الأم برغبة ابنتها في الهجرة. تسحب جميلة جزءاً من مدّخراتها لشراء «الشبكة» الصورية. تتشاجر الأم مع ابنتها ليلة عرسها، فيذهب العروسان للإقامة في بيت العريس. هكذا، وبدلاً من أن يخلي يوسف الشقة لشقيقه، إذا بالبيت يزداد ازدحاماً لكنّ ذلك ليس مشكلة لأن الوضع أصلاً موقت... هل قلنا موقت؟ ليس تماماً، فالسفر يستغرق وقتاً وخلال هذا الوقت، يبدأ الزواج الصوري في التحول إلى كيان حقيقي تنمو المشاعر بين العازبين اللذين تخطّيا الثلاثين، ويكتشفان عمق الفخ الذي أدخلا نفسيهما فيه. إن الإنسان لا يعلم إلى أين يمكن أن تقوده مشاعره، كما يؤكد المحامي المسؤول عن أوراق هجرة جميلة. أخبرها أن رجالاً ظلّوا يتابعون أوراق هجرتهم لديه سنوات، وعندما حصلوا على الموافقة، لم يجرؤوا على التنفيذ. تترك المخرجة المشاهد معلّقاً بعد ليلة الحب الأولى بين يوسف وجميلة. يتمدّد يوسف على ظهره عاقداً ذراعيه خلف رأسه، فيما تتكوّر جميلة على جانبها في وضع جنيني يبدوان كزوجين قديمين. هل سيسافران رغم كل شيء؟ لن نعرف أبداً.
    أشاد النقّاد بالمشهد الوحيد الذي قدّمته حنان مطاوع في الفيلم، الزوجة التي سافر زوجها للعمل منذ ثماني سنوات وتركها تربّي الأطفال وتعاني ضغوطاً مفرطة، وتفرغ كبتها الجنسي في ضرب الصغار. ثم تظهر بعد ذلك في لقطة يتيمة عابرة، وهي تدخل السينما مع رجل آخر. لقد أفرجت عن كبتها أخيراً! فيما أبدى كثيرون انزعاجهم من مونتاج الفيلم الذي لم يكن بالنعومة المطلوبة على عكس مونتاج فيلم هالة خليل السابق «أحلى الأوقات» لمنار حسني. أما في «قص ولزق» فكان المونتاج لخالد مرعي. ومن المفارقات أنّ مرعي قدّم هذا الموسم فيلمه الأول كمخرج وهو «تيمور وشفيقة» (بطولة أحمد السقا ومنى زكي) الذي حقّق إيرادات فاقت بأشواط ما حقّقه «قص ولزق».