strong> محمّد رضا
الهواجس السياسية التي يعيش في دوامتها الشرق الأوسط، ومعه العالم طبعاً، تهيمن هذه الأيام على الشاشات اللبنانية... آتية من هوليوود! دائماً المفارقة نفسها، دائماً مخاوف أميركا و«فانتاسماتها»، والعرب هم الذريعة... ودائماً تلك الحاجة التي تحرّك الجمهور الباحث عن التطهّر من كوابيسه، وتفريغ شحناته السلبية: في هذا الزمن المتوتّر، لا يبقى سوى أفلام الخرافة السياسية (على طريقة الخرافة العلميّة)! وحدها عذابات مانديلا تحمل الأمل بعالم من دون تسلّط وعنصرية، عالم من دون طغاة.

إلى مانديلا الذي غيّر حياتي

أكثر من دولة أوروبية شاركت في تمويل «وداعاً بافانا» إلى جانب جنوب أفريقيا. لكنّ الفيلم الذي بلغت نفقاته 30 مليون دولار، لم تتجاوز إيراداته حتى الآن خمسة ملايين.
يرتكز «وداعاً بافانا» إلى مذكّرات جيمس غريغوري حارس سجن الزعيم نيلسون مانديلا لأكثر من ثلاثين عاماً. يصوّر المخرج بيل أوغست رحلة هذا الحارس الأبيض الجنوب أفريقي (جوزف فاينس) وانتقاله من معاداة السود إلى مدافع شرس عنهم.
يُرينا المخرج تعرّف جيمس إلى المناضل نيلسون مانديلا (دنيس هايزبرت) عندما نُقل جيمس ليكون حارس السجن السياسي لأنّه يجيد لغة الأفريقيين المحلّية. «أنت نافذتنا على روح مانديلا» يَقول له أحد مدرائه حين يصل إلى السجن. هكذا، ستوكل إليه مهمّة التجسّس على مانديلا في وقت تعوّل فيه زوجة جيمس (دايان كروغر) أن ينجح زوجها في مهمّته الجديدة للقيام بحمل العائلة. وهنا، سنشهد على التغيّرات التي ستصيب غريغوري من خلال علاقته بزوجته. كما «حياة الآخرين» الفيلم الألماني الرائع الذي يحكي قصّة عميل مخابرات محلية طُلب منه التجسّس على كاتب وصديقته خلال السنوات الأخيرة من حقبة ألمانيا الشرقية، يظهر «وداعاً بافانا» كيفية تأثّر بطله بالمفاهيم التحرّرية التي يملكها الطرف الآخر. لكنّ المخرج أوغست لا يبدي رغبةً بأن يستغلّ الفرصة لينتقل من تصوير تقليدي للقصّة إلى ابتكار شيء مختلف، أو من مجرّد عرض القصّة وتزويدها بمشاهد متوقّعة وأنماط معهودة التصرّفات إلى وسيلة يمكن أن تجد الشخصيات ملاجئ أخرى تعبّر فيها عن مواقعها. هذا لا يعني أنّ الفيلم خال من الأداء الجيد، بل إنّ إدارة أوغست لممثليه هي واحدة من الميزات الأهم في عمله هذا كما اعتدناه في كل أعماله.
لكنّ المنفر ربما في هذا العمل وفي كلّ الأعمال التي تناولت فيها السينما الغربية الوضع العنصري السابق في جنوب أفريقيا، أنّها لا تركّز على المعاناة التي عايشها السود، بقدر ما تبرز حجم الشخصيات البيضاء وتضحياتها في سبيل أفكارها الجديدة. وأحياناً كما في فيلم ريتشارد أتنبورو «صرخة الحرية» (1987) غالباً ما تركّز هذه الأعمال على معاناة البيض في سبيل إيمانهم بقضيّة السود.

ماذا لو أعاد التاريخ نفسه؟

في فيلم غبريال رانج السابق «اليوم الذي توقّفت فيه بريطانيا» (2003) عَرضَ المخرج افتراضاً حول ما يمكن أن يحدث إذا توقّفت قطارات بريطانيا معاً عن العمل. تلك الحال الافتراضية ذاتها نجدها في «موت رئيس» (دوكو ـــــ دراما) الذي يُعيد ترتيب وقائع ووثائق ويعالجها درامياً، طارحاً افتراضاً مستخلصاً من أرضية واقعية: ماذا لو أنّ رئيس أعتى دولة في العالم تعرّض للاغتيال؟
ما يفعله رانج هنا هو أخذ عيّنات من أحداث وتصريحات وإعادة قولبتها لتخدم سير عمل يريد أن يقترب بافتراضاته الى أقرب حدّ ممكن من الحدوث. ومع أنه لا يدخل في صميم السياسة، إلا أنه يستفيد من الغطاء العام لما يعرضه: جورج بوش يتمتع حالياً بأقلّ نسبة مؤيدين في الولايات المتحدة، فيما العديد من دول العالم لا تصدّق أنّ غزو العراق كان ضرورياً، وبالتالي لا تؤيد الوجود الأميركي أو لا تدعمه.
افتراضات المخرج تدفع به إلى وضع سيناريو الضربة التالية: نائب الرئيس ديك تشيني يريد الاندفاع لضرب سوريا، على الرغم من أنّه لا يملك الدليل على أنها متورّطة ــــــ تماماً كما لم تملك الإدارة الأميركية دليلاً يُدين العراق في اعتداءت ١١ أيلول (سبتمبر). يستخدم «موت رئيس» المعطيات الفعلية لما بعد ١١/٩ ليرسم خريطة محتملة للسنوات المقبلة. وكل ذلك بذكاء مَن راقب العالم ويريد أن يدلي بصوت مختلف في شؤونه.

الإرهابيون وصلوا إلى ميامي

هناك ما يكفي من النكات ليبقى المشاهد متيقّظاً، وما يكفي من البلادة ليتساءل عما فعله في حياته ليستحق فيلماً كهذا. «رينو ٩١١: ميامي» عن رابطة من الممثلين الفكاهيين المنتقلين من حلقات تلفزيونية إلى الشاشة الكبيرة مكرّرين مواقفهم المعهودة كأفراد بوليس يتصدّون لمهام أكبر من قدراتهم. هؤلاء هم بقيادة ترايز (روبرت غارانت الذي أخرج الفيلم أيضاً) يجولون في مدينة رينو في ميامي مستعدّين لكل طارئ بعدما قــــــــــام الإرهابيون بهجوم بيولوجي. ليست المسألة أنّ الفيلم يحوي الكثير من الحديث عن الإرهاب أو البيولوجيا. على العكس، المسألة تتعلّق بإخفاق هؤلاء في عملهم لأسباب معظمها تافه وغير واقعي.
في الثمانينيات، خرجت سلسلة من الأفلام المشابهة تحت عنوان «بوليس أكاديمي» حيث يقوم أكثر الأفراد فشلاً في السلك البوليسي بزرع الفوضى وزعزعة الأمن من دون قصد. وقبل هذه السلسلة، كانت هناك سلسلة الراحل إسماعيل يس. فإذا شاهدت أياً منها، تكون قد شاهدت هذا الفيلم أيضاً.