باسم الحكيم
إنها ممثلة مسرح أولاً وأخيراً، وترى أن الخشبة هي المتنفس الحقيقي للناس. بينها وبين الشاشة الصغيرة علاقة جفاء، أو حذر في أفضل الأحوال. قريباً تحلّ ضيفة شرف على فيلم سمير حبشي «دخان بلا نار»... وصوب «مهرجان قرطاج» تبحر الموسم المقبل مع عرض «النشيد»

لم تفرض رندا أسمر نفسها ممثلةً في التلفزيون كما فعلت في المسرح. خلال ربع قرن، بنت علاقة وطيدة مع الخشبة وأهلها وتعاونت مع كبار المسرحيين مثل شكيب خوري، ريمون جبارة، جواد الأسدي ونضال الأشقر. أما على الشاشة الصغيرة، فلولا «عواصف» الكاتب شكري أنيس فاخوري وقبلها «مذنبون ولكن» و«لا أمس بعد اليوم» ثم حلقات قليلة من «الحل بإيدك» مع سمير حبشي، ومشاركة يتيمة مع المخرج إيلي أضباشي في «قصتي قصة»، لبقيت نجمة في المسرح وحده. حتى في السينما، كانت مشاركاتها قليلة، منذ فيلم «شهداء» عن قصة سناء محيدلي للتلفزيون السويدي عام 1987، ثم مع رندا الشهال في «طيارة من ورق»، وأخيراً مع سمير حبشي في «دخان بلا نار» (ينتهي تصويره قريباً)، حيث تطلّ في مشهد واحد فقط. هذا فضلاً عن تجربة لم تبصر النور مع المخرج مارون بغدادي الذي خطفه الموت قبل أيّام من بدء تصوير فيلم «زاويا» وكانت ستتقاسم بطولته مع زياد الرحباني.
عندما تسألها عن الدراما التلفزيونية، تغيب اللهفة التي تظهرها أثناء الحديث عن المسرح. تحاول إقناعك بأنّ الحرب المستمرة بين الشاشة الصغيرة والخشبة منذ عقود، جعلتها تميل أكثر نحو المسرح، «لأن الجمهور متعطش إليه، ولأن فئة من الناس ملّت التلفزيون». تُثني على «تجارب الزملاء الذين يخاطرون بمالهم ووقتهم لتقديم عمل مسرحي، ومنهم رفيق علي أحمد الذي افتتح عروض «جرصة» في عزّ أزمة لبنان». وترى أن «الجمهور لا يزال مقبلاً على السينما والمسرح والمهرجانات، على رغم الظروف الصعبة التي يشهدها البلد. والدليل على ذلك أن مسرح «المدينة» وضع جدول نشاطات لعام كامل، كما حققت عروض شريف عبد النور الأخيرة إقبالاً جيّداً... بدأ الناس يهربون من الوضع السياسي صوب المسرح، بعدما ملّوا متابعة القضايا نفسها على الشاشة، فخرجوا بحثاً عن لغة مختلفة». وتراهن أسمر على أنّ الأعمال المسرحية ستشهد مزيداً من الازدهار، و«لولا ذلك لما أقدم المخرج جواد الأسدي على افتتاح مسرح في قلب شارع الحمراء، ولما ينتظر منظمو مهرجانات جبيل وبيت الدين وصور، أي بوادر فرج حتى يطلقوا برامجهم لهذا الصيف».
تملك رندا أسمر وجهة نظر خاصة في الدراما، وتقول: «هي صناعة وتجارة وتسويق. هناك نوعية مسلسلات واحدة تجد رواجاً بين المشاهدين، ولم يجرؤ أحد على البحث عن مادة أخرى، تصدم الجمهور». في المقابل، تُثني على تجربتي منى طايع وكلوديا مرشليان الآتيتين من التمثيل إلى عالم الكتابة. وحين تسألها عن صحة ما يشاع عن أنها ستنضم قريباً إلى قافلة الممثلات الكاتبات، تسارع إلى النفي، كأنها تنفض عنها غبار تهمة خطرة، وتجيبك: «أنا ممثلة. هي مهنتي الوحيدة إلى جانب الترجمة أحياناً، وذلك حتى إشعار آخر».
ثم تستدرك: «أحب الاستوديو والتقنيين والكاميرات وصالة الماكياج والسيناريو، والخوف الذي يعترينا أثناء التصوير». ولا تعزو غيابها إلى اعتماد الوسط الفني على المحسوبيات، بل إلى غياب هيكلية العمل: «كل سنة، يتخرّج فوج من الممثلين من دون أن يبحث عنهم أحد. يكتفي صنّاع الدراما بمن هم تحت الأضواء من مقدمي برامج ونجوم غناء وأزياء وجمال... هناك استسهال في اختيار الأسماء المشاركة في أي عمل، ما يؤثر سلباً على نتيجة المادة الدرامية ونوعيتها، كما أن المخرجين في التلفزيون لا يجدون الوقت لإدارة الممثل».
وتشنّ حملة على البرامج التي تقدمها الشاشة الصغيرة، «في أميركا وأوروبا، تفرد قنوات متخصصة للثقافة والموسيقى والرقص والرسم والنحت والآثار والكتاب. أما عندنا، فتوظف الثقافة لمصلحة أمور أخرى». لكنها ترفض أن تصدر حكمها على أعمال الآخرين، «لأننا اعتدنا أن نشطب تاريخ فنان حين يخطئ، فإذا سقط مرة واحدة، نصدر عليه حكم الإعدام، ما يمنعه من تقديم عمل آخر بعد ذلك».
وهي ترى أن نجاح مسلسلي «نساء في العاصفة» و«العاصفة تهب مرتين» يعود إلى وفرة «المواد الأولية» فيهما: المؤلف شكري أنيس فاخوري، المخرج ميلاد الهاشم، إضافة إلى الممثلين فادي إبراهيم ورولا حمادة، فضلاً عن المواهب التي أطلقها... وتأسف للوضع الذي وصل إليه «تلفزيون لبنان» اليوم، «بعدما تعب على الدراما. هكذا أوقفوا الإنتاج المحلي على الشاشة اللبنانية، فعاد صنّاع الدراما إلى بيوتهم أو قصدوا قنوات أخرى».
من جهة ثانية، تعرب أسمر عن انزعاجها من توزيع الجوائز في لبنان على من يعمل فقط في التلفزيون، «لأن هناك حركة ثقافية خارج الشاشة الصغيرة، وهي مهمشة. لدينا سينمائيون بارزون مثل خليل وجوانا جريج، ميشال كمون، نادين لبكي، ديما الحر، فيليب عرقتنجي، سمير حبشي، بهيج حجيج ولينا خوري. وهناك أيضاً نجوم في عالم الموسيقى مثل جاهدة وهبي، شربل روحانا، سامي حواط، سمية بعلبكي، زياد سحاب، ربيع مروة».
لكن أسمر لم تكن غائبة في الفترة الماضية عن الجمهور. قدّمت العام الماضي في بيروت مع غابريال يمين مسرحية «النشيد» (عن نصّ للمجري جورجي شويدا). ومثّل العمل لبنان في افتتاح مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في أيلول (سبتمبر) الماضي، قبل أن يعرض في المجمع الثقافي في أبو ظبي في آذار (مارس) المنصرم. ومن المحتمل أن تشارك المسرحية ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. هل عودتها إلى الخشبة قريبة؟ تجيب: «ما زلت أبحث عن نصوص، أقرأ وأختار، علينا إيجاد ما يلائم المرحلة الحالية»، مستبعدةً أن يكون الخريف هو الموعد المقبل لعودتها إلى الخشبة، «لأن ذلك يتزامن مع موعد الاستحقاق الرئاسي».