حسين بن حمزة
بدعوة من «جمعية أمم للتوثيق والأبحاث»، أقام جان مارك نحاس معرضاً بعنوان «رأساً على عقب» في «زيكو هاوس»، جمع بين اللوحة والتجهيز، مقترحاً رؤيا كابوسية للواقع انطلاقاً من هاجس الحرب.
وجد جان مارك نحاس ترجمة خاصة للحرب. وضع زائر المعرض، وجهاً لوجه، مع مخاوفه وكوابيسه، محولاً إياها إلى لوحات وأشكال تغلّفها إضاءة شحيحة وظليلة، على خلفية الشريط الصوتي لفيلم هيتشكوك الشهير “الطيور”.
وزّع نحاس معرضه إلى عالمين: على الجدران، لوحات منفّذة بالخط والحبر، وطيور مصنوعة من الورق والكرتون متدلية من السقوف. اللوحات مجـــــــــزأة إلى عشـــــــرات الكادرات الصغيرة. إنها لوحات داخل اللوحة، مسرح داخل المسرح. أما الطيور الخرافية، والكائنات المخيفة المتــــــــــــدلية من السقف، فتتحالف مع مؤثرات هيتشكوك والإضاءة الكابوسية، لتضع اللوحات في فضاء التجهيز الذي حمل عنوان «رأساً على عقب».

لماذا هذا العنوان؟

كان من المفترض أن يوثّق المعرض لرعب صيف 2006. لكنه في العمق وثّق لكل الحروب ودورات العنف التي عاشها لبنان. المعرض إشارة إلى أن لبنان كتب عليه أن يستأنف حروبه وكوارثه. نحاس الذي كان شاهداً على حرب أهلية طويلة وكوارث صاحبتها وتلتها، رسم في عمله مشاعر الناس العاديين، خوفهم الطبيعي، يأسهم الذي يصنعه العنف المتكرر. أراد إخراج الخوف والذعر والكوابيس من أحشائه وعرضها في لوحاته. البطولة الحقيقية بالنسبة إليه، هي أن تعترف بأنك خائف ومذعور من الحرب.
لم يكن المعرض نتاجاً مباشراً لحرب تموز. بدأت فكرته قبل ذلك بعامين، لكن الواقع استلحق المعرض، وأعطاه معناه الراهن والطازج.
نجحت العناصر المكونة لـ “رأساً على عقب” في إيصال الرسالة إلى الجمهور. كان على زوار المعرض، وهم يتجولون في مساحته الضيقة، أن يتلامسوا أو يصطدموا بالطيور المخيفة المتدلية من السقف. كذلك الإضاءة الخافتة، والمؤثرات الصوتية الهيتشكوكية، ضاعفت من الإحساس الكابوسي الضاغط الذي حاول المعرض أن ينقل عدواه.
“لا أريد لأحد أن يتألم بعد الآن”، قالها لنا جان مارك الذي هاجر الى كندا هرباً من العنف بين 1989 و1995، وأضاف: “هذا التجهيز يمثل إحساسي بالعجز والضيق خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان. إنه صورة عن هواجسي وذاكرتي التي أريد أن أعرضها للجمهور... أقول بوضوح وبساطة: أنا خائف من الحرب”.
صاحب جدارية Beirut mon amour أراد لمعرضه أن يكشف مدى التأثير الذي مارسه العنف على تقنياته الفنية، وأفكاره، ونبرته التشكيلية.
لقد سبق لنحاس أن روى الحرب في أعماله. ولا بد من أن نتذكر أنه قال في ذات يوم: “كلما أنجزت عملاً له علاقة بذاكرة الحرب، اكتشفت أني أتحدث عن نفسي، أشعر بأني أعيش هواجس متكررة. والمعرض محاولة للاعتراض على هذا التكرار الأشبه بالقدر المكتوب”.
بعد مرور سنة على الحرب، لعلنا نقرّ بصواب ما قدمه لنا جان مارك نحاس. فالمعرض لم يكن سوى لقطة في فيلم لبناني طويل. وها نحن نعيش الكوابيس نفسها. ليس التي أعقبت الحرب، بل التي تسبقها في كل مرة.