عمان ــ نوال العلي
ما هي هويتك؟ هذا السؤال وجّهته سوسن دروزة في شريطها «هويات» إلى ستّة فنانين من أصول عربية، يشاركون في حدث فنّي في الدانمارك. العمل الذي حاز أخيراً جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان «إيكو» في اليونان، يُبرز إشكالية الهوية، وخصوصاً أنّ الفنانين يحملون جنسيةً ثانية تسهّل تنقّلهم في مطارات العالم.
دروزة الفلسطينية الأصل التي نشأت في بيروت، وكبرت في دمشق، وتعيش في عمّان، تجد نفسها أمام وضع أكثر تعقيداً كل مرة تبحث فيها في مسألة الهوية. ويبدو ذلك جلياً في «هويات»، حيث نشاهد أدق الانفعالات والملامح الداخلية لشخصيات تحدثت بحرية أمام كاميرا دروزة التي لعبت على التداخل بين المسرحي والفيلمي. تقول دروزة: «كانوا يشعرون بالارتباك عندما أطلب رؤية هوية أحدهم، وأحسست بمواقفهم الدفاعية، وبأنهم ضاقوا ذرعاً من فكرة الحدود، ومن ملاحقتهم بها حتى في كوبنهاغن» . ومثلما أنّ الفنانين في الفيلم حائرون، يخرج فيلم «هويات» بسؤال مربك: إذا كان المبدع يجد لنفسه بديلاً في هويته الإبداعية، فماذا يفعل الإنسان لو لم يكن فناناً مثلاً؟ كان واضحاً عند الراقصين الستّة، وجود قطيعة مقصودة مع حدود الوطن والقبيلة والعرق، واغتراب متعمّد عن كل ما يطأ بثقله على الأنا المبدعة التي قطعت أواصرها بالمكان الأول وعلاقاته المربكة.
تقول دروزة: «حين يكون الوضع السياسي متأزماً، تطغى هويتي السياسية على كل شيء. وأرتبك أحياناً أمام هويتي المجتمعية، وخصوصاً أنني تنقلت في مدن كثيرة، لكنّ هذا ليس تهرباً، بل إعادة ترتيب للأولويات في كل مرة، وبحسب الظروف التي تتألف من تراكمات وقضايا معقدة».
في شريطها (26 دقيقة)، ترفع المخرجة من وتيرة التنازع بين الوحدة والحشد، الأنا والآخر، الهويّة الفرديّة والهوية الجمعية، متوسلة الموسيقى البطيئة والأغاني التراثية القديمة والذكريات وشرح الأسباب والتناقضات وحركات الراقصين الموجعة. التقت دروزة بالفنانين فاضل عزازي، وهو من أصول سورية تركية، والتونسية إيمان سماوي، والفلسطينية ريم البنّا، والعراقية عايدة نديم، واللبنانية سارة جبران والمصري فتحي سلامة. الهويات الجديدة التي حصل عليها هؤلاء تسهّل حركتهم... إلا أنّها لا تخفّف من وطأة الضغوط على اختلافها. يجدون أنفسهم دوماً بحاجة إلى تفسير صورة العربي، أو تغييرها عند الآخر، فتأتي إجاباتهم مرتبكة، حتى إنّ منهم من بكى بحرقة، ومنهم من قال ببساطة: «تعبت».
يقول عزازي: «أنا الشخص نفسه الذي كان يحمل جواز سفر تركياً، لكنّ الفرق أني بالجواز النمساوي لا أقف في الصفّ في المطار، وأدخل أي مكان بسهولة. أجد هذا مضحكاً». وكذلك هي سماوي التي غرقت في البكاء قائلة: «كلما سافرنا نتعجّب. ثمة انفصال في مفهوم الثقافة بين الغرب والشرق، وأشعر طوال الوقت بأنّني في سيرك».
ونرى في الشريط الفنانة ريم البنّا في شوارع كوبنهاغن، ثم تدخل حياً يسمى «مخيم شاتيلا» لتسأل الأطفال الفلسطينيين عن جذورهم فيقولون: «نحنا من بيروت في فلسطين». هذا هو لسان حال البقية، كلّهم يشهرون هويتهم الإبداعية في وجه الثقافة العربية التي طردتهم. وكذلك هي دروزة التي تخشى التحول إلى مبدعة فردية، فليس ثمة مشروع جماعي يمكن أن تنتمي إليه. ما يجبرها في كونها مخرجة مسرحية وسينمائية تحتاج إلى تراكم معرفي جمعي، أن تبدأ في كل مرة من جديد.
من الأعمال التي قدمتها: «في انتظار غودو» (1992) و«ذاكرة صناديق ثلاثة» (1998)، و«من تراب وأرجوان» (2000)، و«مصابة بالوضوح» (2006)... وتعمل حالياً على إعادة ترتيب «المعهد العربي للفيلم» الذي تأسّس في عمّان، بدعم دانماركي، لإنعاش الفنون السينمائيّة في المنطقة. وهو يستقطب طلاّباً من الوطن العربي لتدريبهم على مختلف مجالات السينما، فنّاً وصناعةً...