محمد شعير
أخيراً، قرّر صاحب «ماذا حدث للمصريين؟» الذي يُعَدُّ من أهم الكتب التي صدرت في مصر خلال العشرين عاماً الأخيرة، وأكثرها توزيعاً، أن يجلس على كرسي الاعتراف ليعرّي ذاته قليلاً، والآخرين كثيراً، في مذكّرات حملت عنواناً إنشائياً «ماذا علّمتني الحياة؟»، وصدرت أخيراً عن «دار الشروق» المصرية.
لم تكن تلك الاعترافات متوقعة، من جلال أمين الذي يحسبه بعض النقاد على جماعة التراثيين الجدد، وهم مجموعة من المفكرين... بدأوا فكرياً منتمين بدرجات متفاوتة إلى اليسار وانتهت بهم الحال إلى رفع شعار «الدين هو الحل».
يعترف جلال أمين بأنّ والده الكاتب الراحل أحمد أمين الذي كتب ثلاثية «فجر الإسلام» و«ظهر الإسلام» و«ضحى الإسلام»، وغيرها من المؤلفات الهامّة عن الإسلام لم يكن متديّناً. يقول: «لا أتذكر أني رأيت أبي يصلي... أو يقرأ في المصحف. إنني أتذكّر اعتذاره عن عدم الصوم، بسبب مرض كان يفرض عليه نظاماً معيناً في الأكل، أو بسبب التدخين». اعتراف خطير إذا عرفنا أنّ أحمد أمين هو الذي كتب في مذكراته عن البيت الذي نشأ فيه: «إذا فتحت بابه شممت منه رائحة الدين ساطعة زكية!».
كما يحكي أمين عن رغبة والده في إجهاض أمه بعد حملها به، رغم أنّ الاجهاض لم يكن أمراً سهلاً في ثلاثينيات القرن المنصرم، وما زال محرماً من كثير من الفقهاء. لذا «لم يكن هناك طبيب مسلم في ذلك الوقت يقبل بهذه المهمة، فرتب أبي موعداً مع طبيب إيطالي، لم يكن من السهل على أمي أن تعصي أبي، ومع ذلك فقد حاولت الهرب مرات عدة». ويتابع أمين: «جلست أمي أمام الطبيب الإيطالي، وسمحت له بأن يبدأ الكشف. ثم تحرك في قلبها غضب غريزي، جعلها تدفع الطبيب بقدمها بكل قوتها صائحة في ثورة: روح يا شيخ، هو أنا حبلى في الحرام... فتراجع الطبيب خائفاً، وقال بلكنة أجنبية ظلت دائماً مبعثاً للضحك في أسرتنا: يا خبيبي أنا ما لي؟ عايز تسقط تسقط، عايز تخبل تخبل».
في الكتاب، يكشف صاحب «التنوير الزائف» عن قصّة الحب الأول لأمه تجاه ابن خالها. ويعترف أمين بأنّ والدته «لم تشعر في ما يبدو بالحب الحقيقي... إلا لابن خالها». وينشر جلال أجزاء غير منشورة من مذكرات أبيه الشهيرة الصادرة تحت عنوان «حياتي» كاشفاً عن علاقة والده بأمه، وندمه على الزواج منها، وشعوره الدائم بأنّها «لم تكن جميلة».
ولعل اعترافات جلال أمين المتعلّقة بأسرته، هي الأكثر إثارة بين صفحات مذكراته الضخمة التي يفتح فيها «صندوقاً مليئاً بالأسرار»، ليشعل بذلك جدلاً واسعاً قد يستمر طويلاً!