وائل عبد الفتاح
لم يعد العقل المحافظ يشعر بالخجل. يتصدّر الصفحات الأولى، ويتباهى بأنه مغلق ومروّج للوقوع تحت سيطرة النصوص. لم يشعر الصحافي الذي كتب الخبر بالغرابة وهو يصف اقتراح محمد منير بإقامة حفلة للإنشاد الديني بجوار قبر الرسول بأنه «تخريف»... و«خروج عن النص الديني والأخلاقي».
الصحافي بنصّه المغلق، أصبح هو السيد في صحافة حكومية منافقة تقاتل التيارات الدينية في الشوارع، وتشرّع لأشباههم الصفحات الأولى. هؤلاء هم قادة الرأي العام الخاضع الآن لابتزاز التيارات المحافظة. تنتصر التيارات المحافظة مع الهزيمة. تدخل عندما يشعر المجتمع بالعار. هنا، ينهزم أيضاً الإبداع في مواجهة النص الذي لا يستمدّ قداسته من معانيه ودلالته وقوته الروحية، بل من حرّاس يستمدون سلطتهم من التلويح بالنص، كلما شعروا بأن هناك من يهدد الطمأنينة الخائبة.
قبل سنوات، اصطاد قناصة التكفير عفوية الفنانة ذكرى في الكلام، حين شبهت معاناتها بمعاناة الرسول، فخرج فقيه سعودي يفتي بإهدار دمها. اصطياد يفرض سلطة، وينشر مناخاً غوغائياً تجاوز التفتيش في عقل يوسف شاهين، ومحاكمته على تقديم صورة النبي يوسف على الشاشة في فيلمه «المهاجر».
المناخ الآن هستيري، يوسّع كل يوم قائمة المحرمات. وبعدما كانت أم كلثوم ترتّل القرآن، والشيخ محمد رفعت يحاول تلحينه... أصبح خبر مفبرك عن تلحين القرآن أو اشتباه في اقتراب مارسيل خليفة من النص الديني، زلزالاً ضدّ الإسلام، يستلزم حملات تحريض على القتل وانكاراً للخارجين عن الصف.
العقل المحافظ خائف ومرعوب. لكنّه في ظل هزيمة العقل الحديث، يفرض نظرته الضيقة للعالم على كل شيء. يستفزّه الفن لأنه ملعب الجرأة والحرية، والخروج عن النص الواقعي. الفن هو الهدف الدائم، خصوصاً في ظلّ منع السياسة. أما السيطرة الآن في السينما فهي لنجوم «الفن النظيف»... والصحافة المتابعة للسينما والغناء لا تهتم إلا بسؤالين: الأول عن القبلات في الأفلام، والثاني عن طول فستان «الموديل» في الكليبات.
هستيريا الخائفين من الحرية في النهار والباحثين عن الابتذال بالليل. هؤلاء هم الذين يرون دعوة منير إلى الغناء بجوار قبر الرسول «تخريفة» و«خروجاً». يتصدرون الصفحة الأولى، لا لأنهم يفهمون في السينما أو الغناء، ويتذوقون الطرب أو التمثيل، بل لأنهم من «عسس الفن» أو شرطة الأخلاق الحميدة أو بتعبير أدق هم يشبهون مباحث الثقافة في أوروبا الشرقية أيام الشيوعية.