بشير صفير

كان على موعد صيفي مع الجمهور اللبناني في بيت الدين. ولعلّه بين قلة من الفنانين العالميين الذين لم يلغوا تعهداتهم خوفاً من زيارة منطقة «الزلازل». صاحب الشعر القنفذي والتسريحة البانكية يعزف الجاز هذا المساء، مع خماسي يحمل اسمه، في الـ«ميوزيك هول».

بعدما ألغت مهرجانات الصيف في لبنان برامجها لموسم 2007 بسبب الأوضاع الأمنية طبعاً، ها نحن نفاجأ بخبرين: الأوّل يتعلّق بمهرجانات بيبلوس، إذ أعلن القيّمون عليها المضي قدماً في تقديم برنامج هذه السنة، بعدما خضع بطبيعة الحال لبعض التعديلات. والخبر الثاني هو الإعلان عن حفلة يتيمة يقدّمها الليلة في «ميوزيك هول»، الموسيقي العالمي نايجل كندي. فبعدما أعلنت لجنة مهرجانات بيت الدين إلغاء برنامجها، بما في ذلك حفلة كندي، تقرّر استضافة عازف الكمان الإنكليزي في بيروت، ليلة عابرة، بالتعاون مع الفترياديس.
الأكيد أنّ شخصية كندي الغريب الأطوار أدّت دوراً أساسياً في الإقدام على هذه المغامرة، هو الذي خلع الهالة المقدّسة التي تحيط عادةً بمعظم العازفين المشهورين في عالم الموسيقى الكلاسيكية. فالعازف «الشاب» الذي تخطّى الخمسين يُعدّ بين أهم خمسة عازفي كمان في عالم الموسيقى عموماً، والكلاسيكية خصوصاً، بعد رحيل معظم عمالقة القرن العشرين، أو أفول نجمهم وسكون نشاطهم بسبب التقدّم في السنّ.
مَن يرَ صور نايجل كندي، أو يشاهده على التلفزيون، أو في عزف حيّ للمرّة الأولى، لن يتخيّل أن صاحب الشعر القنفذي والتسريحة البانكية هو من أكثر عازفي الكمان الكلاسيكي مبيعاً في العالم (وفق كتاب غينيس للأرقام القياسية). سبق أن عزف أهم وأصعب الأعمال التي كُتبت لهذه الآلة منذ عصر الباروك (باخ وفيفالدي)... وصولاً الى القرن العشرين (والتن وبارتوك)، مع إيلاء اهتمام استثنائي بالحقبة الرومنطيقية (القرن التاسع عشر) وخصوصاً الروائع التي تجمع آلة الكمان بالأوركسترا (الكونشرتو).
تنطوي تسجيلات نايجل كندي على كونشرتوهات الكمان الاثنين، والكونشرتو المزدوج للكمان والهوبوا والكونشرتو الوحيد لآلتي الكمان لباخ، يقود فيها كندي الأوركسترا الفيلهارمونية لمدينة برلين بنفسه، إضافةً الى الكونشرتوهات التي كتبها للكمان أهم مؤلفي العصر الرومنطيقي، وبداية القرن العشرين: مثل بيتهوفن وبرامز ومندلسون وتشايكوفسكي وسيبليوس وبروخ وإلغار. أما كونشرتوهات الكمان الأربعة للمؤلف الإيطالي أنطونيو فيفالدي، المعروفة باسم «الفصول الأربعة»، فقد سجّلها كندي مرتين: التسجيل الأول مع أوركسترا الحجرة الإنكليزية ودخلت كتاب غينيس لأكثر التسجيلات الكلاسيكية مبيعاً في العالم، والثاني مع الأوركسترا الفيلهارمونية لمدينة برلين. وقد تولى كندي القيادة في كليهما.
ويضاف إلى ذلك عدد كبير من الأعمال التي احتواها سجلّ كندي، لكن ينقصه بعض الأعمال التاريخية ليكتمل: كونشرتوهات الكمان الخمسة لموزار، برتيتات وسوناتات الكمان المنفرد لباخ (علماً أنّه سبق أن عزف منها في حفلاته، لكنّه لم يسجّلها كاملةً بعد)، وأعمال شيطان الكمان الإيطالي نيكولو باغانيني، أقلّه الكبريسات الـ24 (Caprices 24) والكونشرتو الأول للفيولون.
ليست المرة الأولى التي يأتي فيها تلميذ يهودي مينوهين، الفنان الأسطورة، الى لبنان. إذ حلّ ضيفاً على مهرجانات بيت الدين عام 2004، وقدّم حفلتين خصّص الأولى للموسيقى الكلاسيكية والثانية للجاز وجيمي هندريكس.
أمّا حفلة اليوم، فستكرّس لموسيقى الجاز. بعد التسجيلات الكلاسيكية، وتسجيلات طاولت موسيقى البوب والروك والموسيقى الشعبية من أوروبا الشرقية، أصدر كندي أسطوانته «الرسمية» الأولى في عالم الجاز، عائداً بذلك إلى حبه القديم الذي تمتد جذوره إلى أواسط السبعينيات. إذ تولّت شركة Blue Note العالمية إصدار عمل كندي الذي حمل عنوان Blue Note Sessions (2006)، وتعاون فيه مع نخبة من موسيقيي الجاز المعاصرين، أمثال جاك دو جونيت ورون كارتر وجو لوفانو ولاكي بيترسون وغيرهم... ومن المرجح أن يقدّم الليلة الجزء الأكبر مما حواه الألبوم، من أعمال من تأليفه وأخرى لدو جونيت ورون كارتر وكلاسيكيات لكيني بارل وهوراس أندي، وربما مفاجآت أخرى من أنماط موسيقية غير الجاز.
تمثّل حفلة اليوم محطةً في جولة يقوم بها نايجل كندي مع أربعة عازفين بولونيين من فرقة «نايجل كندي كوينتت»: بافيل دوبروفولكسي (درامز)، آدم كوفالفسكي (باص)، بيوتر فيليزول (كيبورد)، وتوماس غرزيغورسكي (تينور ساكسوفون). كما يستضيف خلال الأمسية مجموعة من الموسيقيين اللبنانيين الناشطين في عالم الجاز، مثل عبود السعدي، عيسى غريّب، فؤاد غريب، هاني العلايلي، والأميركي المقيم في لبنان توم هورنيغ. والجدير بالذكر أن كندي، المتزوّج ببولونية يشغل منذ خمس سنوات منصب المدير الفنّي لأوركسترا الحجرة البولونية.
نايجل كندي، الليلة في Music Hall : 01،361236