فاطمة داوود
عروض «شتاء ـــــ خريف 2008» للأزياء الفاخرة تتّجه هذا العام إلى التصاميم الهادئة والمثيرة في آن. هذا ما يظهر في مجموعتي باسيل سودا وجورج حبيقة اللذين لفتا الأنظار أخيراً بفساتين تدعو المرأة إلى الراحة والرفاهية




باسيل سودا: حبيبتي... المرأة الفولاذية!

أكثر ما يلفت الانتباه في كواليس عالم الموضة العالمية، تشديد مبتكري الأزياء الفاخرة لشتاء وخريف 2008، على إعادة إحياء تصاميم القرن الثامن عشر والعصر الفيكتوري. هؤلاء قدموا في عروضهم فساتين، طغت عليها الأشكال الفضفاضة والمنتفخة، حتى وصل الأمر أحياناً إلى إخفاء العارضات وسط غمرة الأقمشة. فيما اعتمد آخرون على التطاريز الكثيفة، أو تلك المطبّعة بالورود... أما المصمم اللبناني باسيل سودا فذهب بعيداً، ليستمدّ من صورة المرأة العصرية، إيحاءات وأشكالاً فنية، قدّمها بأسلوبه المميّز.
في مجموعته لخريف وشتاء 2008، وقّع سودا فساتين سهرة راقية، مكّنته من الانتقال سريعاً إلى الصفوف الأمامية بين المصممين المبدعين. هو تمرّد على خطوط الموضة العالمية، ليهدي تصاميمه إلى امرأة أنيقة، مثيرة، وعصرية في آن.
PARURE ARMURE عنوان مثير لتشكيلة توجّهت إلى امرأة حديدية، تتمتّع بشخصية قوية، لا تهادن ولا تلين حتى في أحلك الظروف الاجتماعية والسياسية. فالتغيّرات الطارئة على مكانة المرأة في المجتمع، أحدثت انقلاباً جذرياً في أسلوب حياتها وتفكيرها: لقد هجرت منذ سنين طويلة قصرها العاجي، ودخلت سوق العمل، وباتت تنافس الرجال على المواقع القيادية وصناعة القرار. هذا الواقع استحوذ على تصاميم سودا الأخيرة، فأبعد عن عرضه الفساتين الفضفاضة التي قد تؤدي الى تعثّر خطوات سيدة المجتمع، وإرباكها خلال السهرات وحفلات الزفاف. فإذا به يحرّرها من هذه القيود، مسخّراً الأقمشة المتطايرة والشفافة لتحقيق أهدافه من جهة، وإرضاء ذوق النساء من جهة ثانية.
هكذا ظهرت العارضات كالمحاربات، مدجّجات بالدروع. وقد ربطن الأحزمة العريضة بإتقان عند الخصر، وإحكام قبضة «الكورسيه» في معظم التصاميم. لكن مهلاً، هذه الفساتين ليست ثقيلة الوزن، فالدروع صنعت من أقمشة ناعمة، مثل «الموسلين» الشفّاف، و«الجورسيه الفاخر» و«التول». كذلك تميّزت التشكيلة بغنى الألوان الشتوية القاتمة التي توحي بالدفء مثل النبيذي والبني والكحلي والرمادي والأخضر والبنفسجي. وحضر اللون الفضي بقوة، إما في فساتين قصيرة حدّ الركبة أو طويلة الى الأرض. وقد أرفقت معظمها بسترات من «الساتان» القصيرة جداً، تصل حدود الصدر. برز في التشكيلة فستان أبيض، صنع من قماش «الشيفون»، وازدان بخيوط الذهب المقصّب، كذلك اشتد عند خصر العارضة بحزام، وأرفق بقفازين طويلين. هناك أيضاً فستان بيج، تميّز بتقورات مستقيمة عند الصدر، زيّنه عقد حديدي باللون الزيتي. أما بالنسبة إلى الفساتين القصيرة، فقد كشف جزء منها عن الساقين بأسلوب مغر، فيما تداخلت في بعضها الآخر خيوط فضيّة لكسر جمود اللون الواحد.
التمايز ظهر جلياً في التصاميم التي ركزت على إبراز أنوثة المرأة، وتحديداً في منطقة الكتفين. إذ نجد معظم الفساتين مكشوفة عند الصدر أو مصممة على شكل H، فيما تكشف عن الساقين حتى مستوى الفخذين. أما القصّات فجاءت مختلفة: ضاقت عند الخصر حتى الوركين حيناً، واتسعت لتمنح المرأة حرية في الحركة. ومع ذلك، حافظت على رصانتها من دون اعتماد قصّات جنونية أو خارجة عن المألوف. وظهرت العقود المطوّقة للأعناق والكتفين وفق أشكال ضخمة وملوّنة رصّعت بحبّات الشواروفسكي الأحمر والذهبي، وهو ما ساعد العارضة على التفلّت من سطوة المجوهرات والماس، لتعكس إطلالتها محاربةً بامتياز. في المقابل، ظهرت عروس باسيل سودا حالمة ورومانسية، تناغمت تماماً مع إيحاءات المجموعة. إلا أنه أضاف إلى التصميم لمسات كلاسيكية بسيطة، جسّدتها طرحة من «التول» المنسدلة من رأسها حتى أخمص قدميها. لا شكّ في أن أجواء الشتاء الدافئة والحميمية التي أوحت لسودا باختيار الألوان والأقمشة أسهمت أيضاً بتحديد اتجاهات ذوقه الخاص، مع حرصه الدائم على مزج لونين حدّاً أقصى في كل ثوب. أضف إلى ذلك أن المجموعة الشتوية تؤكد عدم انجذابه صوب التطاريز الكثيفة، فغابت تماماً لتحلّ مكانها الأقمشة الأحادية اللون، والممزوجة بخليط البرق اللمّاع.
سودا الذي يصب جلّ اهتمامه على مجموعات الـ «هوت كوتور»، سيخوض مجال تصميم الألبسة الجاهزة قريباً. ويقول: «تأخّر المشروع، لذا أتطلّع للإسراع في تنفيذه خلال المرحلة المقبلة... الملابس الجاهزة تعدّ جزءاً من المنافسة القوية التي يخوضها المصممون على الساحة العالمية».




جورج حبيقة: ليالي الأنس في باريس

في تشكيلة خريف وشتاء 2007 ـــــ 2008 التي قدّمها ضمن فعاليات أسبوع الموضة الباريسي قبل أسبوعين، عرض جورج حبيقة مجموعة من الفساتين الراقية، انتزعت تصفيقاً حاراً من الجمهور الذي أعرب عن إعجابه بقدرة المصمّم اللبناني على إرضاء أذواق نساء الشرق والغرب معاً.
حبيقة المتأثّر بروّاد عصر الروكوكو في القرن الثامن عشر، قدّم تصاميم ناعمة، نفّذت على أشكال الصَدف والسنابل، ومنحتها الإضاءة وهجاً خاصاً. كما اعتمد على ألوان البيج بتدرّجاته المنوّعة والزهري الرقيق، إضافة إلى ألوان الشتاء الدافئة كالخمري القانيّ والأزرق البوهيمي. هكذا أعاد عارضاته إلى أجواء المجتمع الأرستقراطي الفرنسي في القرن الثامن عشر، فاسترجع في اللقطات التصويرية للمجموعة، مشاهد من الحفلات الراقية حيث ترفل النساء بأثواب طويلة فضفاضة أو مستقيمة مطرّزة.
تتألف فساتين حبيقة من طبقات منتفخة عدّة، سخّر لها وبإسراف شديد، أمتاراً من الأقمشة الفاخرة والباهظة الثمن. الورود أيضاً احتلّت مساحة كبيرة من العرض، فتصدّرت المعاطف الضخمة والأكمام والتنانير الطويلة أو القصيرة حدّ الركبة.
هذه التشكيلة الشتوية جاءت امتداداً لمجموعة ربيع ـــــ صيف 2007. ففي عرضه الماضي، سلّط حبيقة الضوء على بشرة العارضة من خلال التركيز على ألوان فاهية كالبيج والأبيض والزهري، إضافة إلى اعتماد الأقمشة المصممّة على شكل الصَدَف أو المكسّرة. وبرزت الأحزمة العريضة والرفيعة على حدّ سواء ولا سيّما عند الخصر أو أعلى الصدر لمزيد من الإثارة. أما في مجموعة الشتاء، فقدّم الخطوط والأشكال نفسها، إنما مع تغيّر ملحوظ لاعتبارات الجو. ولعلّ أبرز مميزات التشكيلة الجديدة هي معاطفُ الفرو أو «التفتا»، التي اتخذت أشكالاً عدّة، منها الطويل الواسع أو المنتفخ القصير. فيما ضاقت الفساتين عند أعلى الصدر بأشرطة حريرية أو عقد على شكل فراشات مشدودة بعناية واتقان.
مزج حبيقة بين خصوصية الشرق وأزياء الغرب، مركّزاً على «الدانتيل» و«التفتا» والمخمل الفاخر، فاعتمد الأقمشة المطرّزة والمزخرفة أو المطبّعة بالورود، من دون أن يغفل الفساتين القصيرة والديناميكية. إلا أنه، في المقابل، استعان بأقمشة، لا تخطر في بال المصممين، مثل أغطية السرير الدمشقية المزركشة، أو الساتان المزدان بزخارف يابانية. ربما لأنّ هذه المواد قد ترضي رغبته في عدم استخدام المقصّ على القماش خشية فقدان جماليته، فيطوّع بين يديه أمتار «الموسلين» و «التفتا»، لتتخذ شكل طيّات عرضيّة من اليمين الى اليسار، أو طبقّات مكسّرة من أعلى الى أسفل. وهذا ما تجلّى في تصميمين باللونين الأحمر والأزرق وآخر بلون الزيت الفاهي. وبدت المجموعة متناسقة، ما عدا فستاناً قصيراً باللون الأسود طرّز عند الأسفل على شكل سنابل القمح. على رغم سيادة الرصانة على معظم التصاميم، عمد حبيقة الى قصّ القماش طولياً عند الجزء الأعلى من الجسم ليكشف عن منطقة الصدر.
حبيقة المؤمن بمقولة «كوكو شانيل» بأن «الموضة تتغير والأسلوب ثابت»، بدأ مسيرته في عالم الأزياء بعدما ورث حبّه لهذه المهنة عن والدته. ترك دراسة الهندسة المعمارية، وانتسب الى معهد لتصميم الأزياء في بيروت. بعدها، تدرّج في قسم الألبسة الجاهزة لدى دار «شانيل» في باريس، ليعمد لاحقاً إلى إطلاق مجموعة OBK By Georges Hobeika. وهي نمط خاص بالأزياء الجاهزة الراقية، والمخصصة لفساتين السهرة والأعراس. وقد تضمّنت المجموعة إكسسوارات مطليّة بماء الذهب الأصفر أو الأبيض، ومرصعة بأحجار الشواروفسكي الشهيرة، كذلك حقائب اليد المتناسبة مع أسلوب التصاميم.
بقي أن نذكر أن اسم جورج حبيقة ارتبط أخيراً بالفنانة الشابّة يارا، بعد اختيارها وجهاً إعلانياً لتصاميمه. وهي نفذّت جلسة تصوير فوتوغرافية لمجموعة ربيع ـــــ صيف 2007، على أن تختال في المهرجانات والحفلات الغنائية بفساتين موقّعة باسم حبيقة.