بيار أبي صعب
سعدي يوسف، في السنوات الأخيرة، يعيش ليكتب... إنه الانتقام (الوجودي) الوحيد الممكن لهذا العراقي الجريح. لذا تراه يتحرّش بالواقع، يستفزّه أحياناً. يبحث عما يداري به يأسه الفظيع. يقتنص كل لحظة، كل انفعال، كل وجع، كل تفصيل عابر، ليصنع منه شعراً. ربّما صحّ القول إنّه يعيش بشكل متواصل داخل القصيدة. من أجلها فقط. يعيش معتكفاً في الشعر... الوطن الوحيد الممكن، الملاذ الأخير.
سعدي يوسف آخر الشعراء الكبار، اعتاد لغة المنفى وطقوسه. ثلاثون عاماً أجّل موعده مع بغداد، في انتظار أن يسقط الطاغية. لكن التاريخ ــــ تاريخ هذه المنطقة الملعونة من العالم تحديداً ــــ لا يشبه قصص الأخوين غريم. لا مكان هنا للنهايات السعيدة. والشيوعيّ القديم لم يفعل مثل بعض رفاقه... لم يبارك الاحتلال، ولم يرشّ الورد على طريق الدبابة الأميركية! أحد مواقع الانترنت أعاد نشر بعض «قصائد العاصمة القديمة» (1999) التي يستنجد فيها بالغرب لخلع صدام حسين. لكن الزمن تغيّر والشاعر أيضاً.
كأننا به يعيش اليوم، في إسرافه الوجودي، ما يعادل «جنون أوريست» في التراجيديا القديمة. لم ينفع قتل بيروس، ما دام قد «أخذ» معه الحبيبة المشتهاة، هيرميون. هيرميون سعدي هي العراق... وها هو يزرع السماء صراخاً، والأرض رفضاً وغضباً. يقاوم الاحتلال بكل جوارحه، فيزداد الآخرون شحوباً أمام شجاعته وعناده. إنّه «شاعر الأقلية النبيلة» أو «الأقليّة الغامضة»، كما لقّبه الناقد العراقي فاروق يوسف. وإذا كان لا بدّ للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي من صوت، فهو قطعاً صوت سعدي يوسف.