محمد عبد الرحمن
حتى الأمس القريب، كانت الدراما تتفادى القضايا الشائكة الـتـي تـثـيـر غضب الرقيب. فهل دخلت مرحلة جديدة فـي عـلاقـتـهـا بالمحظور والمسكوت عنه؟ المسلسلات الجديدة في مصر تتطرّق إلى التحوّل الجنسي والاغتصاب وإثبات النسب... في انتظار رد فعل الجمهور!

بعد تحضيرات استمرّت ثلاثة أشهر، احتفلت المنتجة ناهد فريد شوقي أول من أمس ببدء تصوير مسلسل «صرخة أنثى» الذي يقدّم ملكة جمال مصر لعام 1990 داليا البحيري في دور شاب يؤمن بأنّ حياته ستكون أفضل... لو أصبح امرأة. في هذا العمل، تتطرّق الدراما التلفزيونية للمرة الأولى إلى قضية شائكة مثل التحوّل الجنسي، عالجتها السينما المصرية في شكل كوميدي مرّات قليلة. ولعلّ أبرزها فيلم «الآنسة حنفي» مع إسماعيل ياسين، و«السادة الرجال» لمحمود عبد العزيز ومعالي زايد...
لكن الوضع سيكون مختلفاً مع «صرخة أنثى»، كما يؤكد المؤلف محمد الغيطي لـ«الأخبار»، إذ ينطلق «العمل الجاد من إحصائية صدرت أخيراً أشارت إلى أن عشرة في المئة من أطفال العالم العربي، يعانون منذ الولادة اضطرابات هرمونية وجينية». لذا سيركّز المسلسل في المقام الأول على القهر الاجتماعي الذي يعانيه عفيفي الذي أُخضع لعملية تحويل جنسية فصار اسمه عفيفة. ويصوّر المسلسل الظلم الاجتماعي الذي يلحق بعفيفة. و«التصحيح الجنسي» هو المصطلح الذي سيعتمده المسلسل، كما يقول المؤلف.
ولكن ماذا عن رقابة التلفزيون؟ وهل ستسمح بعرض موضوع حسّاس لطالما حاولت أن تحجبه عن الشاشة الصغيرة؟ يؤكد المعاطي أن أجهزة الرقابة رفضت المسلسل طوال ثماني سنوات، ما جعل الجهات الحكومية تخشى المجازفة عبر المشاركة فيه. هكذا تأجّل المشروع كل هذه المدة، قبل أن يحصل، فجأة، على الموافقة مطلع هذا العام، بعد تدخّل وزير الإعلام أنس الفقي. وكانت حجّة الرقابة أن العمل يسلّط الضوء على قضية يرفض المجتمع المصري الحديث عنها بشكل علني.

صعوبة التسويق

أثناء فترة المفاوضات مع الرقابة، بدأت داليا البحيري التي تقدّم دور عفيفي ثم عفيفة، متابعة بعض الجلسات النفسية والاستشارات الدينية، تمهيداً لارتداء ملابس الرجل أولاً ثم الفتاة التي يجري لها الطبيب (الممثل الأردني إياد نصار) العملية، ويدعمها في معركتها ضدّ والدها الذي يرفض تقبّل فكرة فقدان ابنه، والمجتمع الذي يأبى التعامل معها. هكذا تتطور العلاقة بين الطبيب والفتاة، حتى يتزوجا. ويُصوّر العمل في مدينة الإنتاج الإعلامي وبعض مدن الغردقة والسويس، ويشارك في بطولته كل من طارق لطفي، أحمد راتب، سوسن بدر، باسم سمرة، وعزة بهاء. وكان يُفترض أن ينطلق التصوير قبل شهرين تقريباً، لكن المفاوضات مع الرقابة حول الصيغة النهائية للسيناريو، وتغيير جهة الإنتاج المشاركة مع ناهد فريق شوقي، من مدينة الإنتاج الإعلامي إلى قطاع الإنتاج، أجّلت إطلاق صرخة البحيري. ثم انسحب المخرج ياسر زايد من المشروع، وتسلّم رائد لبيب المهمة، إضافة إلى اعتذار عمرو واكد عن دور الطبيب واختيار إياد نصار للدور... كل ذلك دفع إلى تأجيل العرض إلى ما بعد السباق الرمضاني، على رغم أن فريق العمل أعرب عن نيّته، خلال حفلة بدء التصوير، اللحاق بموسم رمضان. والعاملون في المسلسل آثروا عدم الإجابة الآن عن سؤال جوهري: إذا غضّت الرقابة الطرف عن هذا الموضوع، فهل تجازف الفضائيات العربية وتعرضه في شهر رمضان؟ وخصوصاً أن مؤلف «صرخة أنثى»، أكد أن فضائيات عدة (لم يذكر اسمها) رفضت شراء المسلسل من الأساس، فيما أبقت محطات أخرى (بينها MBC) قرارها معلّقاً إلى حين مشاهدة الحلقات الأولى. لكن صعوبة تسويق المسلسل لم تمنع المنتجة ناهد شوقي وقطاع الإنتاج من المضي قدماً في التصوير.

جرأة ناقصة

وفيما ينتظر «صرخة أنثى» موافقة إحدى المحطات على عرضه، نجحت أعمال أخرى، تجاوزت المحاذير الاجتماعية والجنسية، وتخطّت الخطوط الحمراء، في أن تحجز موقعاً لها على خريطة رمضان. وفي مقدم هذه المسلسلات، «قضية رأي عام» الذي يناقش للمرة الأولى بشكل مباشر، حوداث الاغتصاب، علماً بأن المخرج الأردني محمد عزيزية، سيصوّر حادثة اغتصاب الدكتورة عبلة (يسرا)، وصديقاتها بطريقة تناسب مزاج جمهور التلفزيون.
كذلك الأمر بالنسبة إلى مسلسل «قضية نسب» الذي يعرض على أكثر من فضائية. هنا، ستعمل عبلة كامل جاهدةً على منع ابنة زوجها من خوض علاقة غير شرعية مع شاب يحاول الإيقاع بها، قبل أن تصطدم هي (أي عبلة) بادعاءات شاب يزعم أنها والدته. وهذه القصة شغلت الرأي العام لأشهر طويلة، عبر قضية أحمد الفيشاوي الشهيرة مع مصممة الأزياء هند الحناوي.
ويبقى السؤال: هل حقاً ستقدّم الدراما مواضيعها بجرأة تسمح لها بمعالجة نقدية؟ أم مقص الرقابة سيكون جاهزاً لـ«تهذيبها»، فتمرّ هذه المشاكل مرور الكرام؟ وخصوصاً أنّ الرقابة أجرت تعديلات عدة على نسخة «عمارة يعقوبيان» التلفزيونية، فأقصت الصحافي المثلي بعيداً من العمارة، واشترطت تخفيف جرعة النقد السياسي والديني والاجتماعي.