بيار أبي صعب
الاغتيال السياسي، أياً كانت ضحيّته، أخصماً أم صديقاً، هو اغتيال للديموقراطيّة، وتفريط بالسلم الأهلي الهشّ. والإدانة الصارمة والصاخبة والمجروحة للجريمة، واجب كل «مواطن» ــــ مبدئياً ــــ بعيداً من تقنيات الخبث أو الرياء، وبمعزل عن فلسفة «التكاذب المشترك» العريقة في ثقافتنا السياسية اللبنانيّة، وقوامها الازدواجيّة والفصام. عذراً على هذه البديهيّة التي يعرفها، ويدافع عنها، الإعلامي قبل سواه، لأنه ـــ مبدئياً أيضاً ــــ المؤتمن الأوّل على قيم «المواطنة» والديموقراطية... وحارس أصول اللعبة القائمة على الاختلاف... والملزم بعقد أخلاقي مع الجمهور: التوفيق بين خياراته وقناعاته من جهة، وواجب الموضوعيّة والتجرّد من جهة أخرى (هذه المعادلة الصعبة حتّى في أعرق الديموقراطيات الغربية!).
صحيح، مذيعة الـ NBN المفصولة سوسن درويش ارتكبت، باعترافها، خطأً فادحاً، بعيد جريمة اغتيال النائب وليد عيدو وصحبه. لقد «زلّ لسانها» كاشفاً عن «مشاعر» لا تمت بصلة إلى «أخلاقيات» المهنة وأصولها. لكن من يحترم أصول اللعبة اليوم في لبنان؟ وما هي القواعد والأصول، حين تنزلق أعلى المراجع السياسية والروحية إلى لعبة «الحوربة» (رقصة الحرب) والتعبئة والتحريض؟ هل يمكن إلقاء مسؤولية هذا الانزلاق الأخلاقي، على كاهل فرد واحد؟ الإعلامية الشابة أطلقت العنان لأهوائها، بعيد انفجار نادي النجمة الفظيع، واستعجلت اغتيال شخصية سياسية ثانية، وسمّتها بالاسم، من دون أن تدرك أنها على الهواء. لكن ماذا لو لم يكن «الميكروفون» مفتوحاً؟ كان كلامها ليبدو طبيعياً، وهذا هو الأفظع... هل سلوكها إلا مؤشر بسيط إلى انهيار المجتمع والمؤسسات، وانحسار كل التقاليد النابعة من منطق الدولة، وفقدان الإحساس بقداسة الاستقرار الأهلي؟
أما ضخامة ردود الفعل على تلك الزلّة التي يمكن اعتبارها عرضيّة في سياق العنف المهيمن على الخطاب العام، فتفضح رعباً من تحمّل مسؤولية كلام سوسن درويش. هناك ارتباك واضح، ومبالغة مضحكة، يساعدان على الهروب من السؤال البديهي: ماذا لو أن الإعلامية التعيسة الحظ، لم تقم بأكثر من كشف اللاوعي الجماعي؟ ترى هل قالت سوسن عالياً، كلاماً من النوع الذي يراود سرّاً، السواد الأعظم من اللبنانيين (مع تبديل أسماء الشخصيات المطلوب «قتلها» طبعاً)؟