فاطمة داوود
قبل ثلاثة عقود، اشترى نادر الأتاسي حقوق تصوير «هالة والملك» للسينما. وها هو المنتج السوري ينفض الغبار عن مشروعه «في زمن الفوضى والفساد»، ويختار تقديم المسرحيّة الرحبانيّة في نسخة مودرن، بطلتها... ميريام فارس!
يسابق المنتج السوري نادر الأتاسي الزمن ليبدأ بعد أيام التحضيرات اللازمة لتنفيذ فيلم «سيلينا»، المقتبس عن «هالة والملك»، مسرحية الرحابنة الشهيرة التي عرضت قبل أربعين عاماً على الخشبة، وتقدّم قريباً لجمهور السينما. لكن كيف وصلت المسرحية إلى نادر الأتاسي؟ في اتصال مع «الأخبار»، أكد المنتج السوري أنه اشترى حقوق العمل كاملة قبل ثلاثين عاماً من عائلة الرحباني، وقال:«نويت أن أحوّلها إلى فيلم سينمائي من بطولة السيدة فيروز منذ ذلك الوقت. لكن الظروف الأمنية التي عاشتها البلاد آنذاك، ثم وفاة عاصي الرحباني، دفعت بنا إلى تأجيل المشروع. لكن الفكرة ظلّت تراودني طوال هذه السنوات، فقررت أخيراً الشروع بتنفيذها، لذا، أنهيت جميع ارتباطاتي، وفي مقدمتها مسلسل «الملاك الثائر» عن جبران خليل جبران، حتى أتفرّغ للعمل، وأشرف على باقي التفاصيل، واللقاءات التشاورية مع آل الرحباني، وخصوصاً منصور ومروان وغدي».
في كتاب «فيروز والرحابنة»، يشير الناقد فواز طرابلسي إلى أن «هالة والملك» (1967)، مع «أيام فخر الدين» و«الشخص»، دشّنت مرحلة جديدة من تاريخ المسرح الغنائي الرحباني، إذ انتقلت القصة من القرية إلى فضاء الوطن، ومن الصراعات بين جماعات أهلية إلى قضايا وهموم الدولة، ونزاعات الحاكم والشعب». هنا أيضاً، يلامس الفن الرحباني الواقع اللبناني القائم على التسويات بأسلوب ساخر وقالب فني خفيف وجذاب... نحن الآن في مدينة اسمها سيلينا، تحتفل بعيد سنوي هو «عيد الوجه الثاني»، إذ يرتدي الشعب الأقنعة ليوم واحد. لكن الوضع يتغيّر هذا الموسم، بعدما ألغي الملك الاحتفال، لأن إحدى العرافات أخبرته بأن صبية غريبة ستزور المدينة مرتدية القناع... وتصبح زوجته. هكذا تؤدي المصادفة دورها، وتأتي هالة (فيروز) مع والدها، بائع الأقنعة إلى المدينة. وبعدما يعرف الوالد بخبر إلغاء الاحتفال، يترك ابنته في الساحة مع الأقنعة، ويذهب إلى الحانة.
حين يراها أهل المدينة، يظنون أنها الأميرة المنتظرة، فيأخذونها إلى القصر، فيما تحاول هي إخبارهم بالحقيقة. يأبى الناس تصديقها، كذلك والدها الذي يطمع بالسلطة والمال، وينكر معرفته بها. تصرّ هالة على رفض الزواج، فيما تحاول حاشية الملك إقناعها بالإقدام عليه، نظراً لما ستجنيه من هذا الارتباط، ولأن ذلك سيساعدهم على تصريف صفقاتهم العالقة. في ذلك الوقت، يلتقي الملك بشحاذ المدينة، فيخبره بموقف هالة التي تعطي الحب الأولوية القصوى في حياتها. حينها، يتنكّر حاكم البلاد بزيّ رجل فقير ويقابلها. وبعدما تتوطد علاقتهما، تخبره بحقيقة الناس المحيطين به، واستغلالهم له. فيقرر محاكمتهم، لكنها تنصحه بالابتعاد عن ذلك، لأنه لو فعل «ما رح يبقى حدا تحكمه»...
من هنا، يؤكد نادر الأتاسي أن العمل يكتسب بعداً مدهشاً في الظروف التي نعيشها اليوم. فالمسرحية التي كتبت على خلفية الفضائح التي عمت البلد إثر إفلاس بنك إنترا، (حسب كتاب فواز طربلسي)، مليئة بالإسقاطات السياسية. ويقول: «بنظري، هي من أفضل الأعمال التي حملت توقيعي الأخوين الرحباني، إضافة إلى كونها من الأعمال القليلة التي تصلح لتحويلها إلى عمل سينمائي... أضيفي إلى ذلك أن الفن الرحباني لم يختلف كثيراً بين السينما والمسرح، ولم يرصد يوماً فترة زمنية محددة. ما زلنا حتى وقتنا الراهن نعيش تحت رحمة الحكام، وفساد السلطة، واستغلالية الفريق السياسي التابع لهذا الرئيس أو ذاك». والأتاسي الذي تعاون مع الرحابنة في «بياع الخواتم»، «سفر برلك» و«بنت الحارس»، يراهن على إطلاق المشروع نحو العالمية، كاشفاً عن إجراء اتصالات مع شركات إنتاج أوروبية، ستتولى ترجمته إلى الفرنسية والإنكليزية لعرضه في عواصم العالم.
وماذا إذاً عن التعديلات التي تفرضها الصيغة الجديدة؟ يجيب: «إن تحويلها إلى فيلم سينمائي لا يعني المسّ بجوهرها. سنقدّم في المسرحية أغنيات «لالا يابا لالا»، و«بتنكرني يا بيي» و«بيعد لها البعيد»، «وجايين ع ساحة سيلينا» وغيرها إلى جانب الاستعراضات التي ستتخذ طبعاً مظهراً عصرياً». وهو يتوقع النجاح للعمل، بعدما ابتعد الجمهور عن الخشبة، واكتفى بنهل معرفته من إنتاجات هوليوود!
يرفض الأتاسي أخيراً الكشف عن طاقم فريق العمل، مؤكداً تعاونه في دور البطولة مع المغنية الشابة ميريام فارس، وترشيحه المخرج السوري محمد الأتاسي لتوقيع الفيلم. لكن، أليست مجازفة أن يسند دور فيروز لمغنية آتية من عالم الفيديو كليب؟ يجيب: «حسب الرؤية الجديدة للفيلم، قد تكون ميريام فارس مناسبة جداً للدور، لأنها تجمع بين الصوت الجميل والقدرة على التمثيل. ونحن نجري الاتفاقيات النهائية، على أن نعلن تفاصيل المشروع خلال مؤتمر صحافي في بيروت في الأيام العشرة المقبلة، إذا لم تعترضنا أي صعوبات تتعلق بالأوضاع الأمنية المتوترة».
من جهتها، قالت ميريام فارس إنها أبدت موافقتها على العمل من دون تردد، مشيرة إلى أنها تعيش القلق، خوفاً من تأدية دور ارتبط باسم السيدة فيروز. أما غدي الرحباني فأكد أن الاتفاق بين الرحابنة والمنتج نادر الأتاسي عقد منذ زمن طويل. وأشار إلى احتفاظ منصور الرحباني بحقّ الإشراف على التعديلات، معرباً عن سعادته بإعادة إحياء المشروع بعد أربعين عاماً.