باسم الحكيم
«لم يسرقني التلفزيون، أنا من خطف السينما إليه»، هكذا يجيب حين تسألُه عن سرّ انشغاله بالدرامـا في السنوات الأخيرة. لكن المخرج اللبناني عاد إلى حبّه الأول، لتحقيق بعض من أحلامه: بدءاً من جبران... وانتهاءاً بالضاحية الجنوبية


تفرّغ سمير حبشي خلال الـ 15 عاماً الماضية للدراما التلفزيونيّة، متخليّاً قسراً عن أحلامه السينمائيّة التي بدأها قبل 22 سنة بفيلم «شظايا» (1985)، ثم بالشريط المقتبس عن رواية «الصبي الأعرج» لتوفيق يوسف عوّاد، مع ممثلين روسيين عام 1986، بالأبيض والأسود. وبعد فيلم «خيالات الصحراء» (1988)، اختتم المرحلة الأولى من رحلته السينمائيّة بفيلم «الإعصار» عام 1992. انتقل بعدها إلى البرامج الوثائقية التلفزيونيّة في خطوة أولى مع برنامج «درب الفنون» بين 1994 و1995، مستعرضاً فيه تاريخ الفنون في العالم من مسرح وسينما ونحت وعمارة...
وإذا كان غياب التمويل قد أبعده عن عشقه في الماضي، فلجأ إلى التلفزيون الذي يعتبره السينمائيون مقبرة الإبداع، فهو دخل إليه متحدياً. يقول بحماسة: «لم يسرقني التلفزيون، بل أنا من خطف السينما إليه». السينما في قاموس حبشي، «لا تتمثل باستعمال تجهيزات سينمائيّة فحسب، بل تمتد إلى اعتماد اللغة السينمائيّة في تنفيذ العمل». هكذا يخلص إلى «أنني أنفّذ الدراما التلفزيونيّة برؤية سينمائيّة، ولو اعتمدت على تقنيات الفيديو».
في الدراما التلفزيونية، اقتصر تعامله أولاً مع مروان نجّار، بدءاً من مسلسل «لمحة حب» مع بديع أبو شقرا وفيفيان أنطونيوس، ثم فيلم «مشوار» مع يورغو شلهوب، فـ«بنت الحي»، وصولاً إلى «من أحلى بيوت راس بيروت» في جزئه الأول، قبل أن ينتقل إلى برنامج «الحل بإيدك» عام 2003، ثم «السجينة» للكاتب شكري أنيس فاخوري، و«الليلة الأخيرة» للكاتبة كلوديا مرشليان (سيعرض في الخريف المقبل على LBC).
اليوم، قرّر حبشي تعليق نشاطه التلفزيوني، ليرتمي مجدداً في أحضان السينما. وها هو يصوّر فيلم «دخان بلا نار»، ويباشر فور انتهائه من المونتاج، التحضير لأعمال أخرى، منها مشروع عن جبران خليل جبران. ويوضح: «سأقدّم أربع ساعات دراميّة للتلفزيون وساعتين للسينما، كتبها المحامي والأديب ألكسندر نجّار باللغة الفرنسيّة في «أوراق جبرانيّة»، وترجمتُها إلى اللغة العربيّة». ويستعرض في العملين سيرة جبران منذ طفولته في بشرّي، مروراً بمحطّات مهمة في حياته ووفاته في بوسطن، وصولاً إلى متحفه الشهير في مسقط رأسه. وما الجديد الذي سيضيفه العمل إلى سواه من الإنتاجات، وخصوصاً المسلسل السوري «الملاك الثائر»؟ يجيب: «أتمنى أن تنتج مسلسلات عن جبران في الكويت ومصر والسعودية، لكن جميعها لن تشبهه. وما سيميّزنا أننا شربنا المياه نفسها، وعشنا على الأرض نفسها». وفي حين يكشف أن ثلاثة ممثلين سيؤدون الشخصية باختلاف مراحلها العمرية، وجد بينهم الشخص الذي يؤدي دور جبران في فترة المراهقة، ويواصل البحث عن الشاب والكهل. كما أسند إلى جوليا قصّار دور والدته كاملة، وإلى نقولا دانيال دور والده خليل جبران، وإلى جوزيف بو نصار دور مختار بشري، وإلى كارمن لبّس دور ماري هاسكل، وإلى تقلا شمعون دور السكرتيرة باربرا يونغ. لكن رهان حبشي السينمائي لن يتوقف عند جبران. هناك فيلم ثالث بعنوان «العقرب»، كتبه علي مطر، ويتناول قصة اجتماعيّة تعكس خصوصية الحياة في الضاحية الجنوبيّة، معتبراً «أننا بحاجة إلى كتاب ينقلون واقعهم، ويتحدثون عن بيئاتهم وحياتهم... الأفكار والمعاني مطروحة في الشوارع، كما يقول الجاحظ، وعلينا أن نجد من يجسّدها ويصوّرها في أعمال فنيّة».
في ظل انشغالاته السينمائيّة، قد لا يجد حبشي وقتاً لتنفيذ حلقات إضافية من «الحل بإيدك» على New TV، بعدما ارتدى حلة جديدة، وأصبح اسمه «حكايا». ويقول: «قدّمنا رؤية جديدة في الدراما التلفزيونيّة ليس في لبنان والعالم العربي فحسب بل في العالم أيضاً. ببساطة لم يسبقنا أحد على ذلك، وأنا لا أؤمن بجدوى التقليد والاستنساخ». والكلام عن الدراما التلفزيونيّة، يفتح شهية حبشي على تقييم بعض الممثلين الذين وقفوا أمام عدسته. هكذا يصف يورغو شلهوب الذي التقاه في «مشوار» ثم في «الليلة الأخيرة»، بأنه «ممثل بمواصفات عالميّة، وأنتظر الفرصة المناسبة لأتعاون معه في السينما». ويرى في ريتا برصونا ممثّلة موهوبة، «كنت أعتقد أنها عادية، لكنها أكدت تميزها». كما يتحدث عن ختام اللحّام التي «أدت دوراً بمهشدين فقط في «دخان بلا نار»، وكانت مذهلة. بدت كأنها ولدت لهذا الدور».
فجأة، يعود إلى «الحل يإيدك» الذي يرى فيه «امتحاناً يحدّد مدى مهارة الممثل وموهبته، ويفضح من هم غير موهوبين: «في هذا العمل، يصور الممثل جميع مشاهده عبر نظام اللقطة الواحدة (وان شوت)، على عكس باقي الأعمال التي تسرق ثواني من أدائه، ثم يختار المخرج الأفضل بينها».
وهنا، يميز حبشي بين المسرح والتلفزيون: «الممثل في السينما قد يبدأ بتصوير اللقطة الأخيرة، ويعود إلى المشاهد الأولى بعد عشرين يوماً. فيما الاحتكاك مع الجمهور هو مباشر على الخشبة، لذا الخطأ ممنوع». ويخلص إلى أن «الهواة قد ينجحون في السينما والتلفزيون، في حين يفشلون على المسرح». لكنه لا يضمن نجاح الممثل المسرحي في السينما، بينما يعتبر الممثل الجيد هو ذلك الذي يتكيف مع جميع الظروف. ويستدرك: «المسرح يحتاج أحياناً إلى أداء واقعي يشبه الحياة، تماماً كما السينما التي تشبه الحياة».
لكنّ حبشي لم يجرّب المسرح. ويقول: «مش شغلتي... اخترت مهنة محددة هي الإخراج السينمائي»، متوقفاً عند أهمية التخصصيّة «التي ما زالت تتجزأ»، ومنتقداً المخرجين الذين ينفّذون الدراما والمنوّعات والبرامج الحوارية والمسرح والسينما، «هم طاقات مشتتة».
كما ينتقد «جهل» بعض المشاهدين الذين لا «يميّزون بين عمل مخرج جيد وآخر سيئ، وإن اختلفت درجات وعيهم ومستواهم الثقافي... كما انّ هناك أناساً يحبّون السينما ويتذوقون الأفلام، وآخرين لا يهتمون سوى بالقصّة».