strong>جورج موسى
في الخريف الماضي، انطلقت من لبنان حملة اكتتاب شعبي لتمويل فضائية جديدة قريبة من «التيار الوطني الحرّ»... عشيّة بدء العد العكسي لانطلاق OTV، جولة على كواليس المحطة التي ترفع لواء الموضوعيّة ومقاومة الوصاية

في الطابق الخامس من مبنى لم يكتمل تجهيزه بعد، في منطقة المكلّس القريبة من بيروت، يسابقون الزمن. هم؟
إنهم محرّرو قسم الأخبار في «أورانج تي في». يضعون اللمسات النهائية: لقد بدأ العد العكسي لانطلاق المحطة التي ننتظرها منذ حين. OTV، المحطة البرتقالية على الهواء أخيراً.
يفضّل الزميل جان عزيز، مدير قسم الأخبار والبرامج السياسية في المحطة، ألا يعطي موعداً محدداً للانطلاق، مؤكداً أنّها مسألة أسابيع. وربّما أقلّ. إذ يضيف مبتمساً: «قد يبدأ البثّ قبل الموعد المحدّد في حال إجراء انتخابات فرعية في بيروت وكسروان». لكن في الحالتين، ستقتصر المرحلة الأولى على البثّ التجريبي لمدة ثلاثة أشهر، على أن ينطلق البثّ الرسمي في بداية العام الإعلامي، أي أواخر فصل الصيف.
من المقرر أن تراوح فترة البثّ التجريبي بين خمس وست ساعات يومياً، وتعتمد بشكل أساسي على نشرات إخبارية، برامج سياسية تقليدية، وأخرى تعنى بالحياة الاجتماعية والاقتصادية. ويستدرك عزيز: «ستتميز نشرة الأخبار باقتضابها، على أن تتشكل غالباً من التحقيقات الميدانية، وتبتعد عن صيغة «استقبلَ وودّعَ»، إلا عندما تكون الزيارة حدثاً سياسياً».
لكن لماذا تأخرت الانطلاقة؟ يعزو عزيز التأخير إلى «اختيار المبنى الذي سنطلّ منه على الناس. وقع اختيارنا بداية على منطقة بعيدة نسبياً عن بيروت. ثم بحثنا عن استديوات جاهزة للإيجار، قبل أن نرسو في هذه المنطقة، وتبدأ ورشة تشييد المبنى الذي يضمّ مكاتب الإدارة، غرف التحرير والاستديوات أيضاً».
التحضيرات الفعليّة بدأت بشكل مكثّف قبل ثلاثة أشهر. خلال هذه الفترة، استكمل القيّمون على المحطة جولاتهم في دول انتشار الجاليات اللبنانية في المهجر، لدعم حملة الاكتتاب: من دبي وقطر والكويت إلى بعض دول إفريقيا وأوستراليا. ويشير عزيز إلى أنّ الحملة التي انطلقت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهدفت إلى رفع رأسمال المحطة من ثلاثة ملايين دولار إلى أربعين مليوناً (في خطة تمتدّ على ثلاث سنوات)، حقّقت في المرحلة الأولى ما يقارب 14 مليوناً و500 ألف دولار أميركي. لكن هل هذا المبلغ كافٍ لتشغيل المحطة ودعم البرامج التي تنتجها؟ «أكثر من كاف، علماً بأنّ الرقم سيرتفع بطبيعة الحال بعد بدء البثّ». وحتى الآن، وصل عدد المستكتبين إلى 8 آلاف عائلة، أي بين 30 و40 ألف شخص تقريباً. ويعيد عزيز هنا التأكيد على مبدأ غال على قلب OTV، وهو استحالة تحكّم مستثمر كبير بمفرده بما ستقدّمه الشاشة البرتقالية لجمهورها، «لأنّ سقف الاكتتاب للشخص الواحد لا يتخطى خمسة في المئة».
والحديث عن حملة الاكتتاب يفتح النقاش مجدداً عن الدور الذي يؤديه الاكتتاب في سياق إنشاء محطة محلية: هل هو استثمار اقتصادي، أم دعم سياسي، وخصوصاً في ظل الانقسام الحاد الذي يعيشه البلد، وتعزّزه وسائل الإعلام. يوضح عزيز أن حملة الاكتتاب أمّنت للمشروع إمكانات مادية، تحصّنه في مواجهة التحديّات على اختلافها، وذلك «في ظل كلفة الإنتاج المرتفعة وسياسة الاحتكار الإعلاني».
وماذا عن الجمهور؟ هل ستنتهج المحطة حقاً الموضوعية كما تشير في الإعلان الذي يظهر على شاشتها حالياً، في معرض البث التمهيدي على خلفيّة أغان لبنانية أصيلة؟ يؤكد عزيز أنّ أكثر ما تراهن عليه إدارة OTV، هو إثبات مقولة أساسيّة، هي أنّ كل محطّة إعلامية ــــ وإن كانت تعبّر عن تيّار سياسي معيّن ــــ قادرة على مخاطبة جميع شرائح المجتمع على اختلاف انتماءاتها.
الطاولة التي جلسنا إليها لإجراء الحوار، تتوسّط غرفة تحرير الأخبار. عليها، باقة ورد برتقالية و«صينية» من اللون نفسه، تحوي برتقالاً! ألن يؤثّر هذا اللون سلباً على انتشار المحطة؟ يؤكد جان عزيز أنّ اللون «اعتُمد أولاً عشية الانتخابات الفرعية في بعبدا ــــ عاليه، أيلول (سبتمبر) 2003، ثم اختاره التيار الوطني الحر، وتبنته لاحقاً الحركة السيادية في أوكرانيا، وبات يمثّل المقاومين الرافضين لأي شكل من أشكال الوصاية. والشاشة البرتقالية، ستمثّل أيضاً كل من يؤمن بهذا النهج».
لكن التيار الوطني الحرّ يخوض معركة سياسية حاسمة اليوم... فكيف التوفيق بين «الحياد» المطلوب، ومتطلبات تلك المعركة؟ لا يخفي عزيز أن المحطة ستلتزم قضايا وثوابت ومبادئ محددة: «فضح ما يسمى الـ«بروباغندا»، ومقاومة كل أشكال التضليل الإعلامي... الـ«بروباغندا» هنا تعني المبالغة في تقويم الذات، فيما يتمثل التضليل في تشويه صورة الآخر، فقط لكونه خصماً سياسياً. لدينا الجرأة والقوة والنزاهة الكافية، كي نسجّل لخصمنا نقاطه الإيجابية عند وجودها، أو انتقاد الذات والأصدقاء والحلفاء. علماً بأن الجنرال ميشال عون وأعضاء التيار الوطني الحر، لم يقولوا يوماً إن المحطة تمثلهم وحدهم».
قد يكون في هذا الردّ بعض من المثاليّة التي لا تنسجم مع المشهد الإعلامي اللبناني الراهن؟ «سنبذل جهدنا في التزام حرية التعبير والإعلام، كما ينصّ عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والدستور اللبناني، والقوانين اللبنانية التي لا تطبّق في أي وسيلة مرئية محلية... ثم لماذا نطلق الأحكام المسبقة؟ الأيام وحدها كفيلة بتأكيد ذلك أو نقضه».
خلال فترة التحضيرات، تردد أن مراسلي «أو تي في» واجهوا صعوبة في التعامل مع بعض الناس... يعترف عزيز بذلك، ويقول: «كنّا نتوقع ذلك. رغم الاصطفاف الحاد سياسياً وطائفياً ومذهبياً، انكفأ الجمهور عن التلفزيون. ولم يعد سراً أن أعلى نسبة مشاهدة لنشرة إخبارية في لبنان لا تتعدى 20 في المئة، وأن أعلى نسبة مشاهدة لبرنامج حواري سياسي في لبنان لا تتجاوز 10 في المئة. الناس في أمسّ الحاجة اليوم إلى مقاربة إعلامية جديدة تحترمهم. من هنا، انطلقت فكرة إنشاء المحطة، كي تتوجه إلى تلك الأغلبية. عسى المشاهد يكتفي يوماً بنشرة أخبار واحدة، لمعرفة ما يجري. إذا نجحنا في تحقيق هذا الهدف، تسقط التهم المسبقة. أليس كذلك؟».