بيار أبي صعب
كثيرون يعرفون أكرم هنيّة اعلامياً. لكن رئيس تحرير مجلّة «الأيام» الفلسطينيّة، كاتب أولاً وأخيراً. كاتب يحاول أن يتخلّص من شبهة الكتابة، متخفياً في براقع لغة دقيقة وبسيطة، متخففة من كل البهارج والتنميقات الأسلوبيّة.
حين عرفناه في باريس، مثقفاً أبعده الاحتلال أواسط الثمانينات، كان يحمل رصيده الإبداعي 3 مجموعات قصصيّة صادرة في القدس: «السفينة الأخيرة، الميناء الأخير»، «هزيمة الشاطر حسن»، «وقائع التغريبة الثانية للهلالي»... القصّة هي النوع الأدبي الذي وجد فيه نفَسه السردي، المتأرجح بين غرائبية ترنو إلى التراث العربي، وواقعيّة سيكولوجيّة «تتصنّع» الحياد.
ثم غاب الكاتب سنوات بين باريس وتونس... وعاد إلى بلاده، أو جزء عسير منها، بعد أوسلو، شاهداً على ولادة الدولة الفلسطينيّة. شارك في مفاوضات السلام، ابتلعه حوت الصحافة. وها هو أكرم هنيّة يخرج من بطن الحوت بمجموعة «دروب جميلة» الصادرة عن «دار الشروق» في عمان.
يلفت في قصص المجموعة ذلك الأسلوب المتقشف، واللغة «العاديّة» الموظفة في «وصف» وقائع عاديّة... لا تلبث أن تنزلق إلى الغرائبيّة. حسان الذي ولدته أمّه عند حاجز إسرائيلي، صار الحجر الأساس لقرية أشبه بهمزة وصل بين أجزاء الوطن المشلّع، سيتجمّد عندها الزمن. الزمن اللامنطقي نفسه يجمع صديقين شهيدين، سجيناً وسجانه، فرّقت بينهما السياسة والاحتلال ووحّد بينهما الموت وغرائب الراهن الفلسطيني...
أكرم هنيّة كاتب الأمكنة والداخل الحميم وأشيائه الأليفة: المنزل، والمطبخ، والقرنبيط، و«المقلوبة». يكتب ليسيطر على الزمن، مثل الرجل الخمسيني الذي كاد يلتقي ماضيه في القاهرة. يكتب ــــ كما في قصته التي حملت المجموعة اسمها ــــ بحثاً عن الزمن (الفلسطيني) الضائع... على الدروب المستحيلة التي تؤدي إلى جميلة، أي إلى يافا...