محمد شعير
رشّحه بورخيس لتصدّر الحياة الأدبيّة في أميركا اللاتينيّة. فيما تمنّى ماركيز أن يكتب على طريقته، لأنّه الصانع الأعظم، واعتبره كارلوس فوينتس «فوق الجميع». إنه الكاتب الأرجنتيني الشهير خوليو كورتاثر (1914-1984) الذي يعدّ أحد الأعمدة الرئيسة في تيّار الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية.
لم يختلف النقاد على مكانته الأدبية، لكنّهم اختلفوا على السن المناسبة التي ينبغي أن يُقرأ بها. بعضهم حذّر كبار السن من قراءته، «لأنهم لو انفعلوا فسوف تغزوهم الشكوك في كل ما عاشوه من حياتهم الماضية». ورأى آخرون أنّ سنّ الـ16 هي الأنسب لكي يُقرأ، لأنّ قصصه ستكون «مرشداً لهؤلاء لاختيار الطريق الصحيح في الحياة». كورتاثر الذي لم يُقدّم في العربية تقديماً كافياً ومناسباً لمكانته، لم تترجم له سوى روايتين هما «الأسلحة السرية» و«لعبة الحجلة».
اليوم، تصدر له أول مجموعة قصصيّة متكاملة هي «نهاية اللعبة» التي صدرت أخيراً في سلسلة «شرق وغرب» التي تصدر عن صحيفة «أخبار اليوم» القاهرية. ثماني عشرة قصة ترجمتها مها عبد الرؤوف، فيها أهم المحاور التي يتضمّنها أدب كورتاثر: الحيلة، اللعبة والمفاجأة، إذ استطاع كورتاثر أن يتلاعب في الشكل والمضمون والتقنية الروائية والضمائر وجميع عناصر القصة التي ظنها من جاؤوا قبله من الثوابت، حتّى راح يتلاعب أيضاً بشخصياته، إذ لا يسمح كورتاثر، كما تقول المترجمة، لهذه الشخصيات «أن تتلاعب بمصائرها وأن تكون صاحبة فعل، بل يقتصر دورها في الغالب على رد الفعل تجاه مواقف معينة، غريبة وشاذة تقطع رتابة الحياة اليومية وتقلب الواقع بطريقة يصعب تمييز ما إذا كانت هذه الأحداث تقع فعلاً أم هي مجرد هلوسات في عقول هذه الشخصيات». لذا نجد أنّ الشخصيات في مجموعة «نهاية اللعبة» تواجه صعوبات كثيرة في أداء عملها، مشكلات تبدو سهلة وبسيطة لكنها ليست كذلك: فارتداء كنزة قد يكلّف صاحبه حياته، وارتياد حفلة موسيقية لا يصبح مع كورتاثر بالسهولة التي يتخيلها بعضهم، والقارئ بدوره يجد نفسه متورطاً في الأحداث أو في «اللعبة». ليس مطلوباً من القارئ أن يتخذ موقفاً سلبياً من الأحداث، بل عليه أن يشارك في صنعها وصياغتها وتوقّعها، وأن يظل طوال العمل في حالة ترقّب... لكن عليه في النهاية أن يلتزم قوانين اللعبة فيتقبّل كل شيء ببساطة.
قصص كورتاثر في هذه المجموعة ينطبق عليها ما يقوله الكاتب نفسه عن القصة العظيمة: «قد ينجح الإنسان في نسيان أشياء كثيرة، لكن تبقى القصص الصغيرة الدالة، ذرات الرمل هذه في محيط الأدب الشاسع، متحدية كل نسيان». وقصص «نهاية اللعبة» من هذا النوع بكل تأكيد.