strong> محمد خير
هل يمكن تجاهل المقارنة؟ هذا التدافع الغربي لإنشاء فضائيات موجّهة بلغة الضاد إلى الجمهور العربي، جميعها بتمويل حكومي، وذلك بعد 3 سنوات من إنشاء فضائية «الحرة» الأميركية، ذات التمويل الحكومي أيضاً؟ هل يمكن تجاهل مقارنة ذلك بموقف «أوروبا القديمة» إبان حرب العراق؟ تلك التي كانت ـــ بزعامة الألمان والفرنسيين ـــ ترفض التدخل الأميركي بمعزل عن مجلس الأمن. ثم تدريجياً، تقبّل الألمان والفرنسيون وبعدهم الروس، الأمر الواقع، وتصالحوا مع المواقف السياسية الأميركية في المنطقة... وإذا بكل منهم ينشئ «الحرّة» الخاصة به. وقد استخدموا، بألفاظ متفاوتة، اللغة نفسها التي حددت أهداف تأسيس «الحرة» آنذاك: الغرض هو «تغليب الحقائق» على التحليل المتحيز و«تناول الواقع برؤى موضوعية ومستقلة». بعبارة أخرى، تلافي كل «عيوب» قناة «الجزيرة» التي تسيطر إعلامياً على ذهن المواطن العربي! الا أنّ وجهة نظر أخرى ترفض نظرية المؤامرة، تتحدث عن براغماتية أوروبية لا تتوقف أمام الزمن، إنما تندفع معه، وتواكب الأوضاع الجديدة: ثمة سوق إعلامية جديدة تنفتح في العالم العربي، فضاء أثيري ينتظر «المتحضرين» كي يملأوه، حقاً؟ لماذا إذاً لم تجذب تلك السوق أي وسيلة إعلامية غربية خاصة؟ لماذا لم تتدخل سوى الحكومات لتملأ هذا «الفراغ»؟
البداية كانت مع محطة «دويتش فيلله» الألمانية العريقة التي أبصرت النور أولاً كإذاعة في الخمسينيات، تبثّ برامجها بخمس وثلاثين لغة. ومحطتها التلفزيونية كانت الأولى في أوروبا التي بدأت بثّ 3 ساعات يومياً باللغة العربية، بعدما تعاقدت مع 35 صحافياً ومحرراً عربياً، وجلبت اللبنانية ديما ترحيني من «الجزيرة» لتكون المذيعة الرئيسة للبرنامج العربي. أما تلفزيون «فرانس 24»، فإن فقرته العربية، حسبما يقول الفرنسيون، هي جزء من الحلم الذي راود جاك شيراك، بأن تمتلك فرنسا فضائيتها الإخبارية الخاصة. ويفخر العاملون في القناة بأنهم في أشهر معدودة، أصبحوا الإخبارية الرابعة في العالم، بعد «بي بي سي»، و«سي إن إن» و... «الجزيرة». عبر الاستعانة بـ 22 صحافياً عربياً، أطلقت «فرانس 24» أربع ساعات بالعربية، الا أنّ 80 في المئة من هذه المواد هي نسخة مترجمة من المادتين الإنكليزية والفرنسية. لكنّ الروس اتخذوا خطوة أوسع بكثير: التلفزيون الجديد الذي تموّله الحكومة الروسية، هو إخبارية عربية بالكامل، يحمل اسم «روسيا اليوم». وتأتي القناة العربية في إطار مشروع روسي طموح، بدأ بإطلاق إخبارية إنكليزية، على أن تتبعها أخرى باللغة الإسبانية.
في هذا السياق، كان طبيعياً أن تراجع «بي بي سي» العريقة «الخطأ» الذي ارتكبته، عندما أغلقت تلفزيونها العربي منتصف التسعينيات بعد أقل من عامين على إطلاقه. وهـــــا هي تستعد للعودة به مرة أخرى، في نهاية العام الجاري، أو بـــــــداية 2008 على أبعد تقدير.