واشنطن ـــ عمر أحمد
كيف يجوز لفضائية تموّلها الحكومة الأميركية، أن تنقل خطابات نصر الله وتصريحات القاعدة واحتفالات حماس؟ سؤال يختصر مخاوف منظمات إسرائيلية ونواب في الكونغرس يطالبون بمحاسبة «الحرّة»... قبل أن تصبح نسخة من «الجزيرة»

لم تعد محطة «الحرة» تنفذ المهمة التي انطلقت من أجلها... هذا ما تحاول بعض الصحف الأميركية تأكيده منذ أشهر. قبل 3 سنوات، أنشأت القناة من أجل تشكيل صورة مختلفة عن الولايات المتحدة عند الرأي العام العربي، وتقديم إعلام «موضوعي» بعيداً من «تحيّز القنوات العربية التي تسيطر على ذهن المشاهدين في الشرق». لكنها اليوم، تخصص ساعات من بثّها لعرض مقابلات مع قادة من المنظمات الفلسطينية، وإذاعة خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله، وإعداد تقارير عن مؤتمر المحرقة الدولي الذي أقيم برعاية وزارة الخارجية الإيرانية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي في طهران.
كل ذلك دفع بجماعات من اللوبي الإسرائيلي إلى شنّ حملة مكثفة على «الحرة»، ومدير أخبارها لاري ريجستر، المنتج السابق في «سي إن إن»، معتبرة أنها أصبحت ناطقة باسم الجماعات والمنظمات التي تهاجم إسرائيل والولايات المتحدة. وطالبت الحكومة الأميركية بالتحقيق مع إدارة «الحرة»، محرّكةً القضية على أكثر من جبهة: من الكونغرس إلى الصحف ثم البيانات التي تصدرها بين حين وآخر.
وعلى ما يبدو، أتت هذه الحملة ببعض الثمار، إذ أبعدت «الحرة» ثلاثة من موظفيها، شاركوا في إعداد تقارير عن مؤتمر طهران. أولاً، حسن أبو زيتون الذي يعمل مع مؤسسة «أسوشييتد برس» للأخبار التلفزيونية (إي بي تي إن) المتعاقدة مع «الحرة». وقد توقفت عن التعامل معه بعدما أجرى مقابلة مع ممثلين لجمعية «اليهود الأرثوذكس المعادية للصهيونية» (ناتوري كارتا)، وكان وفد منهم قد شارك في مؤتمر طهران. وتطرق التقرير الذي خضع مسبقاً لرقابة إدارة القناة، إلى عدد أفراد الجمعية، وقال إنه يصل إلى مليون يهودي، «يتعرضون للاضطهاد والتعذيب على يد الحكومات التي تتعاقب على الحكم في اسرائيل».
أما الصحافي الثاني فهو أحمد أمين، مراسل القناة في طهران. وهو أيضاً غطّى فعاليات المؤتمر، الأمر الذي دفع بإدارة الأخبار في المحطة إلى تكليف مكتبها في إسرائيل بإعداد تقرير مضاد حول الموضوع، حتى تتسم التغطية ببعض الموضوعية. ويتردد أن كريم حداد الذي يعمل في قسم التكليفات في مقرّ قناة «الحرة» في منطقة سبرينغ فيلد القريبة من واشنطن، قد يغادر المحطة قريباً. إذ عدّ مسؤولاً عن السماح ببثّ تقريري أبو زيتون وأحمد أمين. إضافة إلى كونه وضع صورة لعلم إسرائيل وهو يحترق، أثناء العدوان على لبنان، على موقع «مكاني» الإلكتروني الذي يشترك فيه مع آخرين. وخيّرت «الحرّة» حداد بين الفصل وتقديم الاستقالة.
محاسبة الموظفين
تزامنت الحملة على «الحرّة» مع كتابة جويل ماوبري، في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأول من أيار (مايو) الجاري، مقالاً يطرح أسئلة عن «مغزى إنفاق الملايين لدعم قناة أميركية تبثّ تقريراً معادياً لإسرائيل، ومؤيداً للمحرقة النازية». وانتقد التقرير الذي حمل عنوان «تلفزيون مجنون»، «هدر أموال الأميركيين لدعم إعلام بات معادياً لسياسة الولايات المتحدة». وعقب نشر المقال، تمّ الاستغناء عن خدمات أبو زيتون وأمين.
لكن القصة لم تنته عند هذا الحد. إذ دعا «مشروع ديفيد للقيادة اليهودية»، وهي منظمة تصف نفسها بـ «تعليمية معنية بالبحث عن سبل للحوار حول الصراع العربي ـــ الإسرائيلي»، إلى محاسبة الموظفين في «الحرة»، خصوصاً أن تمويلها يأتي من ضرائب الأميركيين. هكذا، أصدر «مشروع ديفيد» بياناً أعرب فيه عن استيائه من المحطة التي «أنشئت لتكون صوتاً للديموقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، ومن ثم دبّ فيها الفساد، لتصبح منبراً ينتقد أميركا وإسرائيل، وناطقاً باسم «حزب الله» و«حماس»، بل و«القاعدة» أيضاً». وأشار البيان إلى أن «الحرة نجحت في السنوات الأولى في نقل معلومات دقيقة عن حقوق الإنسان والفساد المستشري في الشرق الأوسط. لذا، أثارت غيظ بعض الأنظمة العربية... لكنها سرعان ما تخلت عن مهمتها منذ عام 2006، في عهد لاري ريجستر». وهذا الأخير سمح بعرض لقاءات مباشرة مع إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني والقائد في حركة «حماس»، إضافة إلى مقابلة أحد أعضاء القاعدة الذي عبّر عن سعادته لأن «أحداث 11 سبتمبر وضعت أنف أميركا في الوحل». وانتقد بيان المنظمة تغطية القناة لاحتفالات حركة «حماس» بتأسيسها.
لكن، وسط كل هذه الضجة، هل يبحث مهاجمو «الحرّة» عن حلّ؟ يقول شارل جاكوبز، رئيس «مشروع ديفيد» إن «إعادة توثيق جميع برامج المحطة، وعرضها على جهات مختصة، سيثلج صدور الأميركيين، ويضمن لهم بأن القناة لا تزال مخلصة لمهمتها». أما في الكونغرس الأميركي، فقد طالب بعض النواب بتطبيق سياسة مراقبة متشددة على المحطة، وتغيير رئيس البرامج فيها بأسرع وقت ممكن، حتى لا تتحول قريباً إلى نسخة من «الجزيرة»، كما قال النائب الديموقراطي ستيف روثمان.