بيسان طي
يتابع غازي قهوجي رحلته العابثة بحياتنا، من خلال الحلقة الثالثة من قهوجيّاته... يضحكنا مجدداً حتى البكاء. وكالعادة يضم الجزء الثالث من «قهوجيات 3 ـــ عرب الصابون» (دار الريس)، 63 مقالة ساخرة في لغتها، ومؤلمة في وصفها للواقع اللبناني والعربي.
أي خبر في وكالة الأنباء، أو حديث بين صديقين، أو حادثة، تصبح هنا «مناسبة» لكتابة مقال ساخر. حتى ذلك الهندي الذي هجر عشّ الزوجية ليعيش فوق الشجرة، استخدمه الكاتب في مقالة تدعو الزعماء اللبنانيين الذين عجزوا عن التفاهم حول طاولة الحوار، إلى استبدالها بشجرة مستديرة. لكنه يعود ليعلن بأنّ الأشجار تنقرض في لبنان و«تتكاثر على أرضه القرود».
يكتب قهوجي في السياسة المحلية، في أخبار الفقراء، في الفنّ «المعاصر»... أي في «سيطرة صاحبات القوام الممشوق على المشهد الغنائي»، علماً بأنه فنان مسرحي وسينوغرافي معروف، وبقدر ما هو كاتب ساخر ينتقد الممارسات السياسية اللبنانية الحالية، يمتدح قيمة «الإصغاء» في اليابان، وينتقل إلى إنفلونزا الطيور، وابنة أنجلينا جولي، والعدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان...
وعلى رغم تكرار بعض الأفكار في عدد من المقالات، إلّا أن بوصلة المقال ترشدنا في النهاية إلى الوصف المؤلم للحالة اللبنانية أو العربية. نقرأ المقال ونحن ننتظر أن يقول الكلمة «الفصل»، أن يأخذنا إلى استنتاجه المؤلم لكثرة ما هو حقيقي وواقعي ودقيق في وصف حياتنا الاجتماعية والسياسية في لبنان والعراق وفلسطين وغيرها. لكنّ الخلاصة جاءت في عدد قليل جداً من المقالات مرتبكةً غير منسجمة تماماً مع السياق الأصلي للنص.
لغة غازي قهوجي سلسة وبسيطة، استعاراته وتشبيهاته تغرف من قاموس الأمثال والحياة اليومية، مقالاته الساخرة قصيرة لا استطرادات فيها، كأنّه صحافي يعرف أن «خير الكلام ما قل ودل». لكنّه صحافي يختار من الآني ما يمكن قراءته بعد عام أو عقد أو ربما أكثر إلى أن تنتهي صلاحية معلّبات الشعارات العربية وتنتهي «الليالي الملاح» في أديرة «الأنظمة العربية الراسخة» التي يتحدّث عنها قهوجي في بعض المقالات. هذه اللغة البسيطة تحديداً قد تجعل الكتاب قريباً جداً من قلوب وعقول أولئك الذين لم يعودوا يهتمون بالمطالعة ــ وهم غالبية غالبة في لبنان والعالم العربي.
وهذه اللغة الساخرة والمبسّطة هي أداة يتناول من خلالها الكاتب مواضيع مهمة جداً ويحلّلها بعمق.
لكن ما الذي أتى بأستاذ المسرح والسينوغرافيا إلى الكتابة الساخرة؟ غازي قهوجي في مقالاته «رجل مسرح». هو يقول على صفحات «قهوجيات» ما كان ينبغي أن يقوله على خشبة المسرح، لو لم يكن هذا المسرح معطّلاً في لبنان. يعيش قهوجي في «أمة الحسرات والمراثي»، كما قال الشاعر جوزف حرب على غلاف الكتاب، يكتب ليشهد... ويبلّغ.