القدس المحتلة ـــ نجوان درويش
«جيل الصحراء، 40 عاماً من الاحتلال 1967 ــ 2007، فنانون إسرائيليون وفلسطينيون ضدّ الاحتلال ومن أجل سلام عادل». هكذا تبدأ الدعوة إلى المشاركة في معرض سيُقام في 5 حزيران المقبل في «بيت الفنانين» (المقر السابق لأكاديمية الفنون الإسرائيلية في بيتساليل) في القدس المحتلة وسينتقل بعدها إلى «غاليري هاكيبوتس» في تل أبيب.
الإعلان المذكور لا يشير إلى أسماء الفنانين المبادرين إلى تنظيم هذا المعرض سواء من الطرف الإسرائيلي أو الفلسطيني، بل يدعو فقط إلى المشاركة بالصيغة التالية: «الفنانون الذين يؤيدون هذا المطلب مدعوون للمشاركة عبر إرسال صورة بالبريد الإلكتروني على العنوان التالي:
[email protected]»
إذاً، بريد إلكتروني فقط لشبح اسمه «جيل الصحراء» والوحيد الذي يتبنّى هذا المعرض من الجانب الفلسطيني هو الفنان سليمان منصور الذي دعا برسالة إلكترونية إلى المشاركة في المعرض معلناً أنّه سيكون أحد المشاركين أيضاً. «المشروع» رُوّج له بشكل خافت في أوساط دون غيرها كي لا يثير استنكاراً مُتوقَّعاً، كما حدث مع مشاريع شبيهة نفّذتها المجموعة نفسها في السنوات الأخيرة على أرضية أنّ الاحتلال يبدأ منذ 1967 لا قبل.
الجزء الأكبر من الفنانين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها لا علم لهم بموضوع المعرض/المشروع، الذي يبدو القائمون عليه، كما وصفهم أحد الفنانين المناهضين للفكرة، «متعهدو مشاريع إسرائيلية يورّطون فيها فنانين فلسطينيين ــ أكثرهم من المبتدئين ــ من أجل إكمال نصاب «التمثيل الفلسطيني» في مشروع إسرائيلي/فلسطيني مشترك»، في وقت يصعب فيه الحصول على تمثيل فلسطيني حقيقي بسبب حملة المقاطعة الفلسطينية الشعبية والمؤسساتية لـ«إسرائيل» في المجال الثقافي والأكاديمي، التي بلغت أوجها بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز الماضي.
إلا أنّ خطورة معرض من هذا النوع تتضاعف في ظلّ توقيته ومضمونه. فهو بصيغته الحالية يتّسق مع السعي الإسرائيلي الحثيث لتثبيت خرافة أنّ احتلال فلسطين وقع عام 1967، كأن ما حدث عام 1948 (احتلال حيفا ويافا وعكا والناصرة والجليل واللد والرملة والقدس الغربية وأكثر من 500 قرية وتشريد أهلها) كان شيئاً آخر غير الاحتلال. فرقم 40، حين يشير إلى عمر الاحتلال الإسرائيلي، ينطوي على تمويه وتضليل خطيرين. ومن المفارقات الدالة أنّ الموعد الأخير لتسلّم المشاركات في هذا المعرض بحسب الدعوة «هو 15 أيار» أي يوم النكبة، التاريخ الحقيقي لبداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
أما المشكلة الثانية في المعرض فتتلخّص في عدم تكافؤ العلاقة بين الجانبين المشاركين أي الفلسطيني والإسرائيلي. فمن الواضح أنّ الفكرة صدرت أساساً من الطرف الإسرائيلي فيُنظَّم بالتالي المعرض في مكانين إسرائيليين حاذفاً 19 سنة من عمر الاحتلال بمباركة «فنانين محليين» سيحضرون المعرضين في تل أبيب والقدس الغربية بتصاريح من الاحتلال وبعيداً من عيون شعبهم. ولو كانت هذه المبادرة صحية فعلاً لكان يُفترض ألا يقتصر عرضها على غاليريات إسرائيلية.
في هذا السياق تحضر إلى الذهن مقالة نشرها إدوارد سعيد في كانون الثاني عام 1994 بعنوان «حدود التعاون»، يشير فيها صاحب «الاستشراق» إلى الظروف التي بدأت فيها لقاءات بين مثقفين عرب وإسرائيليين في جامعة هارفرد بعد عام 1967 وانتشارها لاحقاً في الولايات المتحدة مع مؤسسات أخرى، وعلاقته هو شخصياً بهذه اللقاءات وأسباب انسحابه منها. يقول سعيد إنّ ما دفعه إلى عدم حضور هذه الاجتماعات (التي كان ينظمها هيربرت كيلمان) «هو أن الفلسطينيين الأضعف موقفاً والأقل تنظيماً لم يكن في وسعهم حقاً الإفادة من ذلك الحوار غير المتكافئ، بل إن الإسرائيليين والأميركيين كانوا المستفيدين الأساسيين».
ويقدم سعيد تحليلاً عميقاً لمسألة «الحوار» ما زال يحتفظ براهنيّته على رغم انقضاء 13 عاماً على كتابته. ولا ينفك يحمّل مسؤولية هذا الحوار غير المتكافئ قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي ما انفكت توفر الغطاء لهذا النوع من اللقاءات، وتفوّت في الوقت عينه إمكانات أكثر جدوى بحسب رؤية سعيد.معرض «40 سنة على الاحتلال» لا يضيف جديداً في هذا السياق ويكاد يستند إلى النظام نفسه الذي تحدّث عنه سعيد الذي يشدّد في ختام مقالته على أنّ «التفاعل الثقافي والسلام الذي نسعى جميعاً إلى تحقيقه لا يمكن أن يتحققا مع مواطني دولة احتلال حتى لو كانوا يتمتعون بالنيّات الحسنة. ومسؤوليتنا الأولى تجاه شعبنا هي أن نعمل على رفع مستوى الوحدة والمقاومة من خلال مؤسساتنا المستقلة وأن تكون رؤيتنا لأهدافنا وطرق تحقيقها واضحة. فليس ثمة ما يثبط الهمم أكثر من مثقفين يؤدي تفريطهم في القضايا المبدئية إلى جعل كلمة «السلام» مرادفاً لوقف النضال والتفريط في الحقوق وإعطاء عدوّنا ما يريد من دون مقابل».