الطائف ــ علاء اليوسفي
ما إن يُذكر اسم مدينة الطائف السعودية يتداعى إلى ذهن اللبنانيين الاتفاق الشهير... هنا اجتمع النواب وأعلنوا نهاية الحرب الأهلية، ولكن المدينة التي ارتبط اسمها بدستور اللبنانيين الجديد، ما زالت مجهولة بالنسبة إليهم، وقليلون يذكرون ورودها أو القرود التي تتجول على أغصان الأشجار وتصب اهتمامها على أطفال غريبين عن المنطقة لدقائق ثم ترتقي مكاناً مرتفعاً. فالحجارة التي تتلقاها هذه القرود يومياً لم تعد تسمح لها بأن تتعامل بودّ مع بني البشر. الطائف مصيف السعوديين، ترتفع عن سطح البحر حوالى 1700 متر، وتتمتع بجو معتدل صيفاً وطبيعة خضراء وأمطار يستمر هطولها حتى الشهر المقبل. تشتهر أيضاً بثمارها وخضارها كالرمان والجزر. لكن الأهم من ذلك كله ورودها التي أصبحت رمزاً سياحياً للمنطقة، ومصدراً للكسب والرزق.
420 مزرعة للورود تنتشر على مساحات واسعة من منطقة الطائف، وقد باتت تشكل حوالى 30 في المئة من مجمل النشاط الزراعي، كما يقول محمد القرشي منظم مهرجان الورد (انتهت فعالياته الأحد الماضي). وتبيع هذه المزارع إنتاجها لمعامل بدائية تقوم بتقطيرها بالطريقة التقليدية، لتستخرج منها ماء الورد. ويُنتج أيضاً دُهن الورد الذي يؤكد المزارعون وأصحاب المعامل أنه الأغلى في العالم والذي يُطلق عليه اسم «عطر الملوك».
ورد الطائف جاء من بلاد الشام قبل 420 سنة تقريباً، وقد ذُكر ذلك في كثير من كتب الرحّالة والمستشرقين مثل كتب الأديب اللبناني شكيب أرسلان الذي مرّ بالمنطقة، أما صناعة ماء الورد والعطور فلا يتعدى عمرها 120 سنة.
ويستخدم أهل الطائف الورد مع ماء الشرب وفي صناعة الحلويات وفي الضيافة، فاستقبال الضيف برشّ ماء الورد وإشعال بخوره يعتبران من التقاليد الدارجة. ويتميز هذا الورد بحسب المزارعين وأصحاب المعامل برائحته الفوّاحة والنفّاذة، أما العطر المصنّع هنا فهو طبيعي بنسبة مئة في المئة ولا تضاف إليه أي مواد كيماوية أو عطرية. وفي نيسان تكون ذروة الإنتاج بحيث يستقبل معمل «حامل الورد» يومياً ما بين مليون ونصف مليون ومليوني وردة.
ولعملية القطاف نفسها مواصفات وشروط فنية يشرحها راشد القرشي الذي يملك مزرعة ومعملاً، «يجب أن يتم القطاف بعد شروق الشمس بنصف ساعة وألا يتعدى شروقها بثلاث ساعات، فخلال هذه الفترة تبقى الوردة ندية ومحافظة على مخزونها العطري، الذي تفقد الكثير منه بعد ذلك بسبب أشعة الشمس».
لكن المشكلة الأساسية التي تواجه هذه الصناعة حالياً هي الغش التجاري، الذي يتمثل بإضافة مواد كيماوية وزيوت وعطريات إلى منتجات تحمل اسم العطر الطائفي، لكنها تصنع في مناطق أخرى.
من ناحية أخرى، أصبح لهذه الصنعة وجه سياحي، إذ يقول عبد الله الغريبي من الهيئة العليا للسياحة إن مكتبهم يتعاون مع أصحاب المعامل، لأن هناك سيّاحاً يأتون من مختلف مناطق المملكة خلال هذا الموسم للوقوف عن قرب على عملية صناعة ماء الورد ودهن الورد، وخصوصاً خلال مواسم العمرة... حتى باتت الوردة تمثل الشعار السياحي للطائف.