الجزائر - الياس مهدي
لم يعد المشاهد العربي يفهم شيئاً مما يتابعه على شاشات القنوات العربية. نشرات الأخبار باتت «كئيبة» هذه الأيام، لا تنقل سوى أنباء عن سفك دماء العرب على أيدي أشقائهم. ومن المشرق إلى المغرب، وعبر مختلف الصحف والفضائيات، باتت هذه النشرات متشابهة. يستهلّها المذيع بنزاع الإخوة بين «حماس» و«فتح» في فلسطين، ويعرج إلى آخر حصيلة القتلى والعنف الطائفي في العراق، ثم ينتقل إلى أخبار التفجيرات في الجزائر والمغرب، قبل أن ينهي جولته في لبنان حيث اعتاد الناس العمليات الإرهابية، وباتوا يتوقعون حدوثها كلما احتدم النقاش على قضايا داخلية شائكة! المحللون بدورهم انتقلوا إلى غرف الأخبار، وبات الجميع خبراء في الشؤون الأمنية والحركات الإسلامية. «يتنافسون» على الألقاب، ويغرقون الجمهور بشرح مستفيض: هذا يشتم الأنظمة، وذاك يتوقع انتكاسة للأحزاب المتطرفة، فيما يجزم آخر بحقائق عن العراق وفلسطين من مكتبه في لندن أو واشنطن أو باريس، حتى وإن لم تطأ قدماه أرض الرافدين أو فلسطين!
وفي حين تابع هذا المشاهد، أمس، باهتمام وترقب التغطية المفتوحة لاشتباكات مخيم نهر البارد، كان قد قضى نهار الأحد يوماً مضنياً، وهو مسمّر أمام شاشة التلفزيون. ما إن استوعب هول ما تشهده فلسطين جراء سقوط ضحايا القصف الإسرائيلي، حتى صدمته صور الدماء في لبنان. ولم يكد صوت الرصاص يهدأ، حتى انفجرت قنبلة مدوية في آخر ساعات الليل... حتى عندما تنقل الشاشة أخبار الدم، يأبى رجال السياسة أن يلزموا الصمت في هذه الأوقات الحرجة! هذا أكثر ما لفت انتباه المشاهد العربي في تغطية المحطات اللبنانية والعالمية للأحداث الأمنية الأخيرة التي يشهدها لبنان: «أعداء المحكمة الدولية» و«المخابرات السورية» من جهة، و«المؤامرة» و«المخططات الأميركية والإسرائيلية» من جهة ثانية.
ووسط كل هذه «الجعجعة»، بات المشاهد مغلوباً على أمره، يتابع بحسرة ما يبثّ له، ولا يعرف ماذا يصدق. حتى حينما يُمنح له الميكروفون في برامج حوارية مثل «منبر الجزيرة»، تتحول مداخلته إلى «بكائيات» عبر الفضائيات، ولا تكاد تسمع إلا وعيداً للحكام العرب، وسيلاً من الشتم، والتكفير، والحسرة!
واللافت أنه في غمرة الأخبار الحزينة، استمرّت فضائيات عربية مثل «ام بي سي» و«دبي» و«أبو ظبي» وعدد من القنوات الرسمية العربية في بث أفلام وبرامج غنائية وسهرات راقصة، ولم تجد بداً لقطع برامجها، والتحول إلى لبنان! أما «ال بي سي المغرب العربي» فلم تجد سبباً مقنعاً لقطع فيلمها الأميركي بالأبيض والأسود، وكأنّ ما يحدث في لبنان لا يعني سكان المغرب العربي! كذلك «الجزيرة الدولية» لم تقطع برنامجها حول العراق لتنقلنا إلى لبنان، على الرغم من أن «سي ان ان» مثلاً كانت تنقل صوراً خاصة عن الاشتباكات المستمرّة في شمال البلاد.
أما القنوات الإخبارية مثل «الجزيرة» و«العربية» و«اي بي ان» فكانت حاضرة كالعادة. وفي حين تميّزت «الجزيرة» هذه المرة أيضاً بنقل تصاريح المتحدثين باسم «فتح الإسلام»، انفردت «المستقبل» مساء الأحد بنقل الصور الأولى لانفجار منطقة الأشرفية، قبل نصف ساعة من وصول مراسلي القناتين القطرية والسعودية. حينها، عرفت «الجزيرة» كيف تستدرك «تأخّرها»، فقسّمت شاشتها إلى نافذتين: الأولى من غزة والثانية من بيروت. وقد اتصلت برئيس الوزراء الفلسطيني لمعرفة موقفه من الاعتداءات الإسرائيلية، ففضّل أن يتوجه بخطاب إلى الشعب الفلسطيني عبر هذه القناة دون غيرها، خاتماً يوم البث الطويل بصرخة يائسة: «وانجدتاه يا جامعتنا العربية»!