باسم الحكيم
منذ سنوات، يكاد حضور جهاد الأندري يقتصر على أعمال نجدت أنزور الساعية إلى إسقاط تهمة الإرهاب عن العرب والمسلمين. بعد «الحور العين» و«دعـاة عـلى أبواب جهنم»، يرتدي الممثل اللبناني عباءة ملك شرير، ليواجه الدنماركيين في عقر دارهم

لم يطلّ الممثل جهاد الأندري في الدراما المحليّة منذ سنوات، منذ حلقة «صدفة» للكاتب أنطوان غندور والمخرج شربل كامل، وتناولت محطّات من حياة الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب. سبقتها إطلالات في مطوّلات شكري أنيس فاخوري: «العاصفة تهبّ مرتين»، «نساء في العاصفة» و «اسمها لا». وفيما يفاخر بمشاركته في أعمال المخرج نجدت أنزور «صاحب الرؤية المعاصرة والطليعية. لهذا، لا أرفض المشاركة في أي عمل يعرضه عليّ»، لا يخفي غصّة من غيابه عن الدراما المحليّة، معرباً عن شوقه للعودة إليها. ويقول: «أكثر ما يؤلمني هو أن يعرض مخرج عربي عليّ دوراً، أتحدّث فيه اللهجة اللبنانيّة». ثم يبرر غيابه: «بعض الأعمال التي تقدم على الشاشة جيّدة، فيما يبقى بعضها الآخر سيئاً»، ويشيد بمسلسلي «نضال» و«ابنة المعلّم».
من هنا، يعوّل الأندري كثيراً على الدراما العربيّة، ويوضح: «لا أظنّ أن الممثل الحاضر في الساحة الدراميّة اللبنانيّة، لا يهمه أن يسمّى ممثلاً عربيّاً. إذ يبقى هدف كل ممثل شرقي، الانتشار الانتشار عربياً». لكن الأدوار الهامشيّة في الدراما العربيّة لم تعد ترضي طموح بعض الممثلين الذين حققوا الشهرة المحليّة؟ يجيب: «الذي يقول هذا الكلام، لا بدّ أن يكون قد قدّم أعمالاً أثارت جدلاً عند المشاهد اللبناني... لكنّهم في الغالب يتحدثون هكذا لأنهم لم يحصلوا على فرصتهم عربيّاً». وهو يرى مقياس النجاح في الأعمال التي تثير هذا الجدل.
ويؤمن الأندري بدور المخرج في الكتابة الثانية للعمل الدرامي وبدور الممثل في الكتابة الثالثة، حاصراً دور الممثل في هذا الإطار: «وضع مفاتيح وروابط وتفاصيل صغيرة». وينتقد الكتّاب الذين يصرّون على تجسيد الشخصيّات كما هي على الورق من دون أدنى تعديل، «وأنا أوافق على العمل مع هذه النوعية من الكتّاب بشرط أن أقتنع بتميّز النص. لكن المشكلة تكمن عند الذين يقدمون شخصيات جامدة تنقصها الروح... وإلّا أفضل الاستمتاع بقراءة رواية، عوض مشاهدة مسلسل يفتقر إلى الحياة».

سقف العالم

يبدو جهاد الأندري راضياً عن مشاركاته مع أنزور الذي بدأ معه قبل أسبوعين تصوير مسلسل «سقف العالم» من كتابة حسن م. يوسف. وتبدأ أحداث العمل في الدنمارك، في الوقت الذي تُنشر فيه الرسوم المسيئة إلى الإسلام. حينها، تقرر فتاة سورية تعيش هناك أن تخصص رسالتها لنيل شهادة الدكتوراه، عن حياة ابن فضلان ورحلته، كأفضل ردّ حضاري على الرسوم المسيئة. هكذا تعود الكاميرا إلى بغداد في القرن العاشر الميلادي، عندما كانت عاصمة مزدهرة للإمبراطورية العباسية، ومركزاً ثقافياً وحضارياً لكل العالم، بينما كانت أوروبا لا تزال تعيش ظلام القرون الوسطى. يختار الخليفة المقتدر بالله شاباً مثقّفاً يدعى أحمد بن فضلان (يؤدي دوره قيس الشيخ نجيب) لمرافقة رحلة إلى بلاد الشمال لمعرفة حياتهم عن كثب، وتسجيل وقائع الرحلة. ويشير الأندري إلى أنه يجسّد «دور أمير مخادع وكاذب وقاتل، يطمع بالعرش ولا يتوانى عن قتل إخوته في سبيله، من أجل أن ينعم وحده بالثروة والمال». ويشارك في المسلسل بيار داغر وسينتيا كرم من لبنان، وغسّان مسعود ومنى واصف، وسلاف فواخرجي، وغيرهم من سوريا. وهل قصد أن تصبّ جميع أعماله الأخيرة منذ «الحور العين»، مروراً بـ«دعاة على أبواب جهنم»، ووصولاً إلى «سقف العالم»، في خانة إدانة الإرهاب؟ يجيب: «نعيش اليوم زمن إرهاب، لكن هذا لا يعني أنني لا أشارك إلا في هذه النوعيّة من الأعمال. سبق لي العمل قبل سنوات في مسلسل «البحث عن صلاح الدين»، وهي دراما تاريخية لا علاقة لها بالإرهاب، وقبله مثّلت في «بقايا صور»». وعمّا إذا كان راضياً عن دوره في «الحور العين»، يشير إلى «أنني أنتقد نفسي دائماً. لكن حين تتعامل مع مخرج كأنزور، فهو يحميك من الفشل»، مثنياً على أداء شريكته في المسلسل نهلا عقل داوود التي يصفها بأنها «ممثلة جيّدة لم تحصل على فرصتها بعد»، طالباً من المخرج
ين والكتّاب والمنتجين الانتباه إليها، لأن عمر الممثل قصير».

مقبرة العروض

يؤكد الأندري أهمية الغياب عن الشاشة بين الحين والآخر، «حتى لا يمل المشاهد من متابعة أعمال هذا الممثل، ولا سيّما أن كثرة الأدوار تسجن الممثل، فيبدو كأنه يجسّد الدور نفسه في أعمال عدة مع اختلاف الثياب والعناوين». لكن ألا تقع مسؤولية محاصرة الممثل في أدوار محددة، على عاتق الكاتب والمخرج؟ يشدد على ضرورة ألّا يصبح الفنان «مقبرة العروض»، وإن كان يتفهم أن «يضطر أحياناً للموافقة على دور لتأمين لقمة العيش، في ظل غياب قانون مهنة يحمي الممثل». ثم يستدرك سريعاً: «لا أريد أن أفهم خطأ، لست بصدد محاكمة أحد، وما أقوله هو مجرّد رأي شخصي». وفي الوقت الذي يغيب فيه عن خشبة المسرح منذ «سمفونية الألغاز» مع أنطوان كرباج، يشير إلى «أنني أشتاق للخشبة حيث يعيش الممثل تصاعدية داخليّة من بداية العمل حتى نهايته، على عكس وقوفه أمام الكاميرا حيث يضطر لأن يعيش لحظات مبتورة من الشخصيّة، لكونه يصور مشاهد متفرّقة»، كما يتشوق لعمل مسرحي استعراضي، «ولا سيّما أنني تهيّأت لدخول المسرح الاستعراضي، لكن المشروع تأجل إلى أجل غير مسمى».