فاطمة داوود

داني أطرش: أقمشة الصيف وألوان الشتاء

عندما قرّر داني أطرش، مصمم الـ«هوت كوتور»، أن يغامر بدخول عالم «الملابس الجاهزة» Prêt à Porter، رفض إقامة العرض الأول لمجموعة خريف ــــ شتاء 2008 في باريس حيث ينفّذ أزياءه. اختار بيروت، مدينته، وكان قد ضرب موعداً لعشاقه مساء اليوم في فندق «لو رويال» في ضبيه. لكنّ الأوضاع الأمنية المتوترة في لبنان، حالت دون حضور المدعوّين العرب والأجانب الذين اعتذروا عن عدم الحضور، واحداً تلو الآخر، ما دفعه إلى اتخاذ قراره الصعب: إلغاء العرض. وكانت فكرته المبتكرة للتعويض عن ذلك الموعد المجهض: لقد قرر أن يُهدي تشكيلته الجديدة إلى قرّاء «الأخبار»، متمسّكاً بالأمل ومتفائلاً بمستقبل بلده.
يتوجّه أطرش في مجموعته إلى امرأة متطلّبة وعملية في آن، تبحث عن التجديد والتوفير. ويقول: «حرصتُ على تلبية ذوق المرأة، سواء كانت عربية أو أجنبية، عبر تحديد أسعار مناسبة للجميع. واصطفيتُ التنويع بين التنورة القصيرة والبنطلون، إلى جانب الفساتين العصرية والمريحة في آن».
لكن أزياء أطرش تكشف عن تأثّره الواضح بصيحات الموضة الباريسية، فعاصمة الأناقة «لا تزال ملهمة المصمّمين، وخصوصاً أولئك القادمين من الشرق». يبدو هذا واضحاً من حرصه على إبراز مفاتن الجسد عبر أبسط التفاصيل وأدقّها. إذ سخّر قماش «الدانتيل» لإضفاء الجاذبية على الوجه، واستعار «الموسلين» من فساتين الصيف، ليميّز تصاميمه بالخفّة والحيوية، مستعيناً في الوقت عينه بـ«الشيفون» و«الساتان» و«قصّات البليسيه».
تضمّ المجموعة فساتين قصيرة وطويلة باللون الأحمر، يمتزج فيها «الدانتيل» مع الحرير. هناك أيضاً السترة القصيرة والتنورة المكسّرة عند الخصر، أو فوق الخصر، تبدو فيها العارضة كمراهقة. ويبرز الفستان البسيط والقصير باللونين الأسود والفوشيا، والتنورة الفضفاضة التي تضيق قليلاً بمحاذاة الفخذين. ولم يبتعد أطرش عن أجواء الخريف والشتاء، بل أدرج عدداً من الألوان الدافئة كالأسود والرمادي وقماش المخمل. إضافة إلى اهتمامه بالـ«تايور» وتنورته الضيقة حتى الركبتين، والقمصان الرقيقة المصنوعة من الشيفون الخالص أو المطرّز.
هكذا استطاع المصمم اللبناني أن يكرّس أسلوباً خاصاً في ملابسه الجاهزة الأولى. ومزج في شكل لافت بين التجديد والكلاسيكية، عبر الخلط بين الأقمشة الخاصة بكل موسم.
بعيداً من التصميم، يهتم داني أطرش بتسويق مجموعته الجديدة. في البداية، ستصدر الملابس الجاهزة في أسواق باريس حيث صُنّعت. وتعاقد مع عدد من الوكالات التجارية التي تبنّت توزيعها في المتاجر الراقية في عدد من الولايات الأميركية ودبي. أما في لبنان، فلا تزال المفاوضات جارية بحثاً عن المتجر الملائم الذي سيحتضن هذه التصاميم. وهنا يعترف أطرش بشعور المنافسة الذي بدأ يقضّ مضجعه، وخصوصاً أنّ دخوله عالم الملابس الجاهزة سيضع اسمه قريباً من أشهر مصممي العالم، وسيسهم في انتشار أزيائه في بلاد بعيدة. لكنّه في المقابل، يعزو ثقته بنفسه إلى جهده المتواصل، واندفاعه في إنجاز أعماله. وهل يخشى الفشل؟ يجيب: «حصدت نجاحات عدة، وهذا يثبّت عزيمتي. وما إقبال الناس على شراء فساتيني سواء دليل إيجابي على تفوّقي».
ينشغل أطرش هذه الأيام بوضع اللمسات الأخيرة على صالة العرض الكبرى التي يفتتحها قريباً في بيروت. لكنه ينتظر عودة الهدوء إلى العاصمة التي لم تذُق طعم الاستقرار منذ سنوات، وخصوصاً أن الظروف الأمنية المستقرّة ستسهم في تشجيع الاستثمارات في قطاع الأزياء. ويضيف بصوت هادئ: «الأحداث الأخيرة جعلت السيدة العربية تتريّث في زيارة بيروت». وقبل تحقيق «المشروع الحلم» ــ كما يسمّيه ــ يستعد لإطلاق مجموعة الـ«هوت كوتور» لخريف وشتاء 2008 الشهر المقبل. وماذا عن الملامح العامة لهذه التشكيلة؟ يجيب: «سأتجه إلى اللونين الأسود والرمادي، مع اعتماد الإكسسوارات والتنانير المتوسطة الطول، والابتعاد عن التطريز قدر المستطاع. أما المفهوم العام، فلا يمكن الكشف عنه إلّا قبيل إزاحة الستار عن العرض».




ربيع كيروز: زيّ العسل


في تشكيلته الجديدة لربيع - وصيف 2007، يراهن المصمم اللبناني ربيع كيروز على الجرأة والاختلاف، معتمداً على الألوان الصاخبة والتصاميم المُفعمة بالحيوية. وقد كشفت فساتينه عن تميّز، من دون أن تخرج عن إطار الموضة العالمي الذي استعاد أخيراً التصاميم المستوحاة من الورود والتفاصيل الفضفاضة والقصّات المنمّقة. استقى أزياءه من الطبيعة، فحضرت ألوانها الزاهية وعناصرها الجذابة بقوة، جعلته يتحرر من قيود الرسوم والنماذج الورقية. وهي جرأة قلّما نجدها عند مصمم، ينطلق تصميمه من الأقمشة مباشرةً.
يصف ربيع كيروز عرضه «بانتظار الربيع» بـ «صرخة داخلية في وجه الأزمات الصعبة التي نعيشها، صرخة مليئة بالفرح والضحك بصوت عال... هو أشبه بولادة فراشة أو تفتحّ وردة كبيرة». هكذا ضجّ العرض بألوان الأخضر والأحمر والفوشيا والأصفر، أخذت الحاضرين نزهة قصيرة في الهواء الطلق. ومن هذا المنطلق، شكلّت الفساتين الطويلة الفضفاضة المستوحاة من الورود، ركيزة أساسية في التشكيلة. فيما غابت الأكمام لصالح الكشف عن أعلى الصدر والذراعين، فاكتفى المصمم بوضع وردة كبيرة على جانب الكتف. والتفّت الأقمشة، بكميات كبيرة، حول أجساد العارضات من دون تحديد معالم الجسد أو إبراز تضاريسه، باستثناء بعض التصاميم التي كشفت عن الساقين والفخذين. ووظف كيروز الأقمشة في هذا الإطار، من «التول» الحريري، و«الموسلين» المطرّز إلى «التفتا» الحريري المطبّع بالورود، والـ «كريب جورجيت» والـ«غيبور»، وغيرها.
ما زاد من حيوية العرض، ذلك التمازج بين الألوان والموسيقى، إذ ارتأى كيروز أن يُطلق على كلّ فستان عنوان أغنية: The Morning After، C>est Trop Tard، I Feel Pretty، «يا ظالمني»، «زيّ العسل»، «واتطلّع فييّ»... لكن المجموعة لم تصممّ على عجل كما قد يتخيّل بعضهم، إنما جاءت مناسبة لأمسيات الصيف الحارّة. يبدو ذلك واضحاً من التصاميم الفضفاضة التي تبعث الحيوية في نفس من ترتديها. وقد كرّس كيروز هذه الرؤية عبر تصوير المجموعة بين أحضان الطبيعة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التشكيلة التي قدمت في حفلة خيرية، عاد ريعها لصالح جمعية «سكون»، اتخذت شكلاً مغايراً عما تشهده العروض الأخرى، فكانت أشبه بمشاهد تمثيلية. لكن، لماذا لا يقدّم عروضاً للعامّة؟ يجيب: «لكلّ مصممّ أسلوب خاص... ألجأ أحياناً إلى العروض العامة، وقد أنفذّ جلسات تصوير فوتوغرافية. كل ذلك يرتبط بالمزاج العام أو بشكل المجموعة».
قبل يومين، عاد كيروز من مهرجان «كان» السينمائي حيث تابع عروض الأفلام، وأشرف على إطلالات سيدات ارتدين من أزيائه: المخرجات نادين وكارولين لبكي وجوانا حجي توما والممثلة دارينا الجندي، إضافة إلى رئيسة مهرجان «ليبان سينما» إيميه بولس، وممثلة وزارة الثقافة مايا دو فريج... ويقول: «لا شكّ أن السجادة الحمراء هي المكان الأفضل لعرض فساتين أي مصمم، نظراً لمشاركة وسائل الاعلام العالمية في هذا الحدث السنوي».
كيروز الذي خاض تجربة تلفزيون الواقع في برنامج «بروجكت فاشن – المصمم العربي» حيث لعب دور «المرشد» للمشتركين، اكتسب الخبرة من التواصل مع المصممين الجدد، وتبادل الأفكار معهم. لكنه تحمّل مسؤولية كبيرة تجاه الرأي العام: «لا يعقل ان أقدّم نصائح للهواة، تحفّزهم على الابداع، من دون أن ألتزم بها، علماً بأن الابتكار لم يعد حاضراً في عالم الأزياء. لذا بات المطلوب أن نطلق تصاميم تشبهنا وتعكس قناعتنا».
بعد شهرين تقريباً، ينطلق موسم مجموعة شتاء 2008. لذا بدأ كيروز البحث عن أفكار جديدة، لتحديد الخطوط الأولى لتشيكلته الجديدة. ويأمل أن يستتب الأمن في لبنان، حتى يتمكن من تحقيق مشاريعه، «لا أستطيع الانفصال عن واقعي، لذا أتأثرّ بكل ما يدور حولي. أحضّر لإطلاق مجموعة ملابس جاهزة وافتتاح صالة عرض كبيرة. لكنني أتريّث في الإعلان عنها، نظراً لتقلّب الأوضاع السياسية في لبنان». وهنا، يؤكد على تأثّر قطاع الأزياء بالوضع العام، «زبائن الخليج لا يزوروا لبنان كثيراً»، ما يضطّره أحياناً كثيرة إلى السفر لملاقاة زبائنه في الخارج.

(تصوير: نديم أصفر)