محمد خير
هل يمكن أن تكون وسائل الإعلام محايدة؟ هل صُمّمت أصلاً لتكون محايدة، حتى في أشد البلدان انفتاحاً وليبرالية؟ تلك هي الفكرة التي يناقشها كتاب “حراس السلطة: أسطورة وسائل الإعلام الليبرالية”. يناقش المؤلفان البريطانيان دافيد إدواردز ودافيد كرومويل هذه الفكرة، لكن من جهتها السلبية، ويحاولان في الكتاب الذي ترجمته إلى العربية آمال كيلاني، أن يذكّرا الصحافيين أنفسهم قبل الناس العاديين بحقيقة بسيطة مفادها أنّ مؤسسات الميديا الغربية العريقة، مهما بدت حيادية و“مهنية”، تعبّر في النهاية عن رؤوس أموال تسعى إلى الربح، وبالتالي لا يمكن أن تنقل صوراً أو معلومات تؤثر سلبياً في أرباح رؤوس الأموال هذه. إن أغلب الناس، على رأسهم الصحافيين العاملين في هذه المؤسسات، ينسون ــ أو يتناسون ــ هذه الحقيقة البديهية.
يناقش الكتاب الذي صدر أخيراً في القاهرة عن “مكتبة الشروق الدولية”، مفهوم الميديا نفسه، وأصلها “ميديوم” بمعنى وسيط. فالناس يظنّون أن الميديا هي الوسيط الذي ينقل لهم العالم كما هو. لكنّ الواقع أنّها تنقل إلى الناس الانطباعات والمشاعر المتعلّقة بهذه الحقائق، لا الحقائق نفسها مجرّدة.
هكذا استطاعت وسائل الإعلام الغربية أن تنقل حروب الإبادة التي شنّتها الولايات المتحدة وبريطانيا على أنّها “حروب طيبة”، نبيلة الأهداف، مهما كانت الحرب مغرقة في براغماتيتها: النفط بالنسبة إلى حرب العراق أو مجرد إرضاء شهوة الانتقام كحرب أفغانستان التي أُبيد خلالها أضعاف ضحايا 11 أيلول، ومعظم الضحايا كانوا من الأطفال. إلا أنّ صورة واحدة من صور الضحايا لم تتسلّل إلى الشاشات التلفزيونية الغربية، حتى تلك التي تدّعي الموضوعية مثل “بي بي سي”. وكان غريباً أن تمرّ كل تلك الأكاذيب التي قالها قادة التحالف الأنغلو ــ أميركي أثناء الحرب على العراق، والتي ثبت زيفها جميعاً، وهي مسجّلة بالصوت والصورة في أرشيف المحطات التلفزيونية. بيد أن كلّ ذلك لم يهز شعرة في رأس المؤسسات الإعلامية الأميركية التي يتبنّى معظمها سياسة البيت الأبيض، بل صنعت هذه المؤسسات نموذجاً “للحياد” يقوم على أنّ تصريحات المسؤولين هي “أخبار حقيقية”. أما كلام المهمّشين والفقراء أو العمال المضربين فهو ادّعاءات لا ترقى إلى صيغة أخبار، وعلى المحطة أن تنسبها إلى قائليها وإلا أصبحت محطة “منحازة”!
يلخّص الكتاب الارتباط بين الميديا ومصالح الشركات عبر المثال التالي: أثناء حرب العراق لم تنقل الشاشات الغربية إلا القليل من صور الضحايا المدنيين، لا بسبب ضغوط سياسية، بل لأن الشركات هددت بسحب إعلاناتها من المحطات التلفزيونية، ذلك أنّ المشاهدين لن يرغبوا في رؤية إعلانات مرحة بعد صور الجثث.