رنا حايك
يهدي الزميل عمر نشابة كتابه «سجن رومية إن حكى» إلى «كل سجين يحرم فرصة حقيقية للتغيير». انطلاقاً من تخصصه في مجال علم الجريمة، يبحث الأكاديمي والصحافي اللبناني عن معنى الإصلاح وإعادة التأهيل في أروقة سجن يفتقر إلى مقوّمات الحياة الكريمة. والكتاب قائم على معاينة ميدانيّة طويلة النفس، قوامها مجموعة من المقابلات مع المساجين، إضافة إلى الصور اللافتة التي التقطتها داخل «رومية»، عدسة رمزي حيدر. كتاب «سجن رومية إن حكى» (دار الساقي) عبارة عن دراسة أجراها الكاتب عن «مجتمع السجناء» بكل تفاصيله: المصطلحات التي يستعملها المساجين، وبعضها تركية من أيام العثمانيين (القاووش أي الزنزانة)، الحرمان من الحرية وضرورة تأقلمهم مع ظروف السجن التي تتضمن المأكل والملبس وموازين القوى التي تحكم علاقات المساجين بعضهم بالبعض الآخر من جهة، وبالدرك من جهة ثانية. يسعى رمزي حيدر إلى التعبير عن جدلية السجن والحرية، من خلال تناقض الأسود والأبيض، ومن خلال لعبة الضوء والعتمة... فيما يكشف الكاتب النقاب عن العالم المنسي وراء أسوار سجن رومية المحصّنة: سجين التقاه عمر طوال ثلاثة أشهر، قبل أن ينفذ فيه حكم الإعدام. بشر ينامون ويتغوطون ويأكلون في الغرفة ذاتها... ولا يرون الشمس إلا لساعة كل يوم. مساجين يفاخرون بالمهارات الجديدة التي اكتسبوها من زملاء الزنزانة، في طرق السرقة المبتكرة أو استهلاك مخدرات لم يجرّبوها قبلاً.
يذكّر نشّابة بالمبدأ الأساسي لأي عدالة في مجتمع متحضّر، أن يعود الجاني مواطناً صالحاً، بعد دفع ثمن جنايته للمجتمع: «إنّ إخفاق السجن في الحد من الجريمة وإصلاح الجاني، يعني إخفاق نظام العدالة برمّته». تجدر الإشارة إلى أن سجن رومية بدأ تشييده عام 1964 خلال العهد الشهابي، ليبشّر بثورة في مجال الإصلاح الملازم للعقوبة. إلا أنّ البناء الذي يُفترض أن يحوي مستشفى لم يكتمل حتى يومنا هذا، والزنزانات التي شيّدت لتستوعب 1550 سجيناً كحدّ أقصى، حدّدت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي سعتها القصوى عام 2003 بـ 3000 سجين. أما الوساطات والتكتلات التي يطلق عليها المساجين اسم «المافيات»، فتعيث فساداً في سجن رومية، وتؤدي إلى تفاوت في معاملة السجناء. كما يتذمر المسجانين من المعاملة «غير الآدمية» التي يتلقونها، والإهانة والتحقير اللذين يخضعان لهما. لا يتكلمون كثيراً عن حرمانهم الجنسي والعلاقات المثلية التي تنشأ في زنزاناتهم المعتمة، لكنّهم يعبّرون عن تضايقهم من تحرشات الحراس بنسائهم وقت الزيارة. هم ليسوا ملائكة، لكنّهم بشر. بشر قد يصبحون «وحوشاً» في ظروف كالتي يعيشونها في السجن. من هنا مشروع نشابة الهادف إلى لفت أنظار الرأي العام، وطرح السؤال الأساسي عن آفاق «إعادة اندماج» المساجين في المجتمع بعد خروجهم، ومخاطر «عودتهم المحتملة إلى الجريمة والانتقام».