باسم الحكيم
في ثلاثينيات القرن الماضي، محمود سعيد وكارمن لبس ومروان العبد يواجهون الانتداب الفرنسي، ويحاربون فساد السلطة. «مالح يا بحر» مسلسل لبناني أبصر النور بعد مخاض عسير... على أمل أن يغري إنتاجه السخي، وإسقاطاته السياسية، الشاشات العربية

بعد انفصال الشريكين مطانيوس أبي حاتم ومروان حدّاد، استأثر الأول بـ «رؤى بروداكشن»، فيما أسّس الثاني شركته الخاصة «مروى غروب». وبينما بدأ المنتجان العمل على مسلسلات مستقلة، حرصاً على توقيع بعض الأعمال باسم الشركتين، أوّلها الجزء الثالث من «فاميليا» الذي انتهى تصويره أخيراً، وثانيها «عصر الحريم» الذي تأجل تنفيذه إلى حزيران (يونيو) المقبل.
وفيما تنهمك الشركة الوليدة بالإعداد لأكثر من عمل درامي، في مقدمها «حواء في التاريخ» الذي تأجل تصويره حتى 25 الشهر الجاري، تصب «رؤى بروداكشن» اهتمامها على تنفيذ مسلسل «مالح يا بحر» للكاتب مروان العبد والمخرجة ليليان البستاني. تكمن أهمية العمل في أنه يعيد الممثل محمود سعيد إلى الدراما بعد سنوات من الغياب، وذلك منذ «صور ضائعة» للكاتب ابراهيم الصادق والمخرج السوري غسّان جبري، قبل أكثر من 6 سنوات. لكن أكثر ما يميز المسلسل الصعاب التي واجهته قبل أن يبصر النور. إذ سبق للمخرج غابي سعد أن صوّر مشاهده الأولى، قبل سبع سنوات لصالح تلفزيون لبنان. لكن مجلس الوزراء أصدر حينها قراراً بوقف الإنتاج الدرامي للتلفزيون، ومن ثم إيقاف المحطة عن البث. بقي المشروع في بال سعد، فعرض النص على التلفزيون التونسي الذي تحمس للعمل، «لأن القصة تدور أثناء الانتداب الفرنسي على لبنان، وتونس عاشت الانتداب وذاقت طعم معاناته». وأراد يومها تطعيمه بوجوه مصرية وتونسيّة، غير أن التلفزيون التونسي طلب شريكاً لبنانيّاً، وحين فشلت المفاوضات في إيجاد هذا الشريك، أجهض المشروع. وشاءت الظروف أن يصل النص إلى شركة «رؤى بروداكشن» التي تحمست له، وقررت إنتاجه منفردة، فعاد المشروع لبنانيّاً بامتياز كما بدأ.
تتناول أحداث المسلسل قضيّة الإقطاع البحري خلال الانتداب الفرنسي وتأثيره في الصيادين وانعكاساته على حياة أولادهم. تبدأ القصة في ثلاثينيات القرن الماضي، مع خطّار (محمود سعيد) الإقطاعي الظالم الذي استغل نفوذ الفرنسيين، على غرار الباشاوات والآغاوات، ليمعن في تعذيب الصيادين وأهل بلدته والتنكيل بهم. هكذا، نجح في احتكار سوق السمك لصالحه، من دون حسيب ولا رقيب، في ظل خوف الجميع من ظلمه. حتى شقيقه «أبو وائل» (كمال الحلو) منعه خوفه على أولاده الأربعة ومستقبلهم، من الوقوف في وجه خطّار الذي سلبه أمواله وأملاكه، فعاش مع أبنائه في فقر مدقع... في هذه الظروف القاهرة، تكبر زينة (كارمن لبّس)، ابنة أبو وائل، وتجد نفسها مسؤولة عن تربية إخوتها الثلاثة. المسؤولية الملقاة على عاتقها جعلتها تهمل حياتها، وبالتالي صدّت ابن عمها (يوسف حدّاد) الذي تلقّى دروسه الجامعيّة في باريس، وحاول دون جدوى استمالتها إثر عودته.
في عصر الانتداب، كان الإقطاع البري منتشراً في عكّار والجنوب وكسروان، يسيطر على الزراعة مورد رزق الفلاحين. وكان الإقطاع البحري، بمساندة الفرنسيين، يسيطر على البحر، مورد رزق الصيادين في مناطق الشمال. لكن هل يكتفي العمل بالإبحار في التاريخ أم هناك أي إسقاط على واقعنا الحالي؟ يوضح الكاتب مروان العبد: «في «مالح يا بحر» دعوة صريحة إلى أبناء هذا البلد بعدم التقاتل، والاستعانة بقوى أجنبية... يجب ألا ينسوا أنه مهما طال الوقت، سيرحل الأجنبي في النهاية، ويبقى الوطن لأبنائه».
وفيما يؤكد العبد حرصه على تقديم بطولة جماعية، يشير إلى أن الشخصيتين المحوريتين هما خطار وزينة، «بعد مدة قصيرة، يتراجع نفوذ خطار إثر جلاء الانتداب عن لبنان. هكذا، تجري الرياح عكس ما تشتهيه السفن، فيخسر الظالم كل شيء. وحدهم الشعب، بينهم الصيادون، تحركوا وقاتلوا من أجل استقلال». يسترسل العمل في وصف حركة سوق السمك، وأحوال الصيادين والباشاوات ومعاناة الأهالي في تدبير أمور معيشتهم، بعد انتشار الفساد في بطانة السلطة الحاكمة، وانتهاء ذلك بالتمرد والمقاومة. فبعد اندلاع التظاهرات واستعادة الحكومة اللبنانيّة لموقعها ومرافقها الحيويّة، تقف عائلة «أبو وائل»، لتسترد أملاكها.
ويشير العبد إلى أن الجديد في المعالجة الدراميّة، هو دور الأخت التي جعلها أماً بالغريزة، مؤكداً أنه استشار أحد الأطباء النفسيين لرسم ملامح هذه الشخصية. ويقول: «زينة هي صورة للأم التي لم تنجب، والتي تهمل نفسها من أجل تحمل مسؤوليّة إخوتها». ويضيف بحماسة: «يعدّ المسلسل من الأعمال الصعبة سواء لجهة المواقف أم لجهة حواره الصعب»، مراهناً على نجاحه، «إذا قدم الحوار بأمانة، وجاء الأداء متناغماً مع تصرفات الناس آنذاك». ويترافق الخطان الدراميان الرئيسيان، مع أحداث أخرى منها علاقة شقيق زينة (طوني عيسى) بزوجة أحد الضباط الفرنسيين (بياريت قطريب)، وطموح شقيق زينة الأصغر (كارلوس عازار) بأن يصبح مطرباً مشهوراً، يجد فرصته مع الفنانة صونيا (تقلا شمعون)، فضلاً عن قصّة شقيقتها (نغم أبو شديد) مع ابن أحد الآغوات (طوني معلوف). ويشارك في بطولته نخبة من الممثلين بينهم عبد الله حمصي، عمر ميقاتي، ناظم عيسى، وداد جبّور، مي سحّاب، هبه مجاهدي، سعد حمدان، ميشال الحوراني، وغيرهم.
من جهتها، بدأت المخرجة ليليان البستاني الإعداد للعمل قبل ثلاثة أشهر، عكفت خلالها على البحث عن مواقع التصوير المناسبة. اليوم، تشهد أنفة ودوما ومشمش وغيرها من قرى الشمال، حركة غير مألوفة بسبب انتقال فريق العمل إلى هناك بغية تصوير المشاهد. وبعد أشهر سيطل العمل على الشاشة بإنتاجه الضخم، ليحاول منافسة الدراما المصرية والسورية والخليجية أيضاً.