بيسان طي
أجهزة الرقابة العربية فتاكة أكثر من أي وقت مضى... أما ديموقراطية زمن الفضائيات التي نعيش في سرابها، فبإمكانها أن تنتظر! هذا الدرس تعلّمه الزميل غسان بن جدّو، ولعلّه تيقّن من أنّه ليست هناك دول «معتدلة»، في مجال السيطرة الرقابيّة على الإعلام المسموع والمرئي، أياً كان خطاب «الليبرالية» والانفتاح. الرقيب العربي ما زال الحاكم بأمرهمثلما في الزمن السابق على الفضائيات... حتى لو كانت المحطّة المستهدفة هي «الجزيرة»، وحتى لو (خصوصاً إذا) كان الحوار مع ولي العهد السابق للأردن الأمير الحسن بن طلال.
جولة جديدة من صراع الإعلام العربي مع «مصالح الدولة العليا»، دارت أول من أمس في برنامج غسان بن جدو «حوار مفتوح» الذي عرض عند العاشرة مساءً على قناة «الجزيرة». سجّل بن جدو حواراً مع الأمير الحسن بن طلال. لكن السلطات الرسمية في الأردن صادرت الشريط صباح السبت، إذ رأت أن ما يتضمنه اللقاء قد يسيء إلى علاقات الأردن مع دولة شقيقة هي المملكة العربية السعودية. فما كان من الزميل بن جدّو سوى أن أعد حلقة أخرى عن المصادرة، استضاف فيها الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية ناصر جودة، ورئيس تحرير «القدس العربي» عبد الباري عطوان، وصحافيين آخرين لمناقشة ما أقدمت عليه السلطات الأردنية.
لم يخفِ بن جدّو ضيقه مما حدث. وقد بدا متوتراً في بعض الأحيان، لكنه طرح أسئلة جوهرية على جودة، دفعت الأخير إلى الإشادة بذكاء الإعلامي مرتين، من دون أن يجيب عن سؤال أساسي: هل كانت السلطات الأردنية ستصادر شريط المقابلة، لو أجرته قناة أوروبية أو أميركية أو إسرائيلية. أما عطوان فوقف مدافعاً عن حرية الإعلام، لكونها بديهيّة في عصر تحوّل فيه العالم كله قريةً إعلامية.
على رغم «عصبية» الإعلامي، وهدوء الناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنيّة، عرف الأول كيف يوجّه صفعة إلى ممارسات «رقابيّة» من عصر آخر، مسلطاً الضوء على قضيّة شائكة ومثيرة، أمام ملايين المشاهدين. حاول جودة أن يدافع ويبرّر، معتبراً أن «توظيف الكلام كان سيحدث بطريقة تسيء إلى علاقاتنا مع الدولة الشقيقة». لكن كيف تقنع المشاهد العربي بأن هناك ما يبرّر حجب الحقيقة عنه.
جاء جودة مدافعاً عن وجهة نظر حكومته، من دوم مشاهدة المقابلة المصادرة، فوجد نفسه في موقع صعب. كانت حجّته الأساسيّة أن «الفضائية القطريّة تسيء إلى العلاقات بين الأردن والسعوديّة»! وكدليل على سوء نية «الجزيرة»، أشار إلى توقّفها عند تسريبات من الصحافة الإسرائيلية عن لقاء العاهل الأردني مع وفد من أعضاء الكنيست الإسرائيلي، قبل أن يضيف مفاخراً: «نحن نلتقي الإسرئيليين في وضح النهار».
أما قرار السلطات الأردنية مصادرة حوار الحسن بن طلال، فلم يمنع المشاهدين من معرفة فحوى كلامه، إذ حرص بن جدّو على عرض أبرز ما طرحه ولي العهد الأردني السابق في حديثه إلى «الجزيرة». كيف غاب عن بال الرقيب الأردني أن حجب المواقف والأفكار بات اليوم من سابع المستحيلات؟ لا سيما أن المواجهة مع «الجزيرة»؟
(تفاصيل أخرى صفحة 20)