بيسان طي
نظمت جامعة البلمند، الأسبوع الماضي، مؤتمراً دولياً بعنوان «الفرنكوفونية: نزاع أو تكامل هويات؟». استضاف المؤتمر متحدثين من دول في المنظومة الفرنكوفونية، وتعددت العناوين فتناولت الهوية والخيارات الثقافية ومجالات فنية وأدبية. وحرص المنظمون على تخصيص حيّز للشعر، فكانت قصائد صلاح ستيتية وفينوس خوري غاتا وناديا تويني.
التنوع في العناوين، لم يسمح بطرح نقاشات مختلفة عما نشهده في مؤتمرات «مديح» الفرنكوفونية، واعتبار الفرنسية «لغة موليير» التي حافظت على نبلها و«التي تسمح للمنتمين إليها بأن يعبّروا عن آرائهم ويدافعوا عن قضاياهم أكثر مما تسمح به لغاتهم الأم!». ورأى متحدثون أنّ الفرنكوفونية ضرورية للوقوف في وجه «الأحادية» السياسية أي سيطرة الولايات المتحدة على العالم. نجما المؤتمر كانا الشاعر اللبناني صلاح ستيتية والمفكر التونسي عبد الوهاب المؤدّب، وكان يُفترض أن يشارك المفكر التونسي هشام جعيط، لكنه اعتذر في اللحظات الأخيرة، وحرم غيابه المؤتمر من تلك اللغة المغايرة التي كان يحتاج إليها.
بدا أن الخطاب الطاغي على أعمال المؤتمر، هو أن ثقافات الدول الفرنكوفونية تتلاقى في إطار الانتماء إلى هذه المنظومة لتغنيها، كان المؤدّب الأكثر عمقاً في طرح هذه الفكرة. نجم الختام قال إن المعرفة التي حملها الكتّاب الفرنكوفونيون الآتون من أصول متنوعة، أثرت الفضاء المعرفي الفرنكوفوني. ورأى أن اللغة الفرنسية صارت بفضل هذا الثراء تمتلك ما حلم به غوته أي «إخراج الآداب من المحلية إلى العالمية». وشدّد على خلافه مع أطروحات أدوارد سعيد حول الاستشراق، معتبراً أنّه لعب دوراً مهماً وإيجابياً في الشرق.
أما ستيتية فتحدث عن روابط بين لبنان وفرنسا التي تنحاز إلى لغة العقل والمنطق الديالكتيكي، ورأى أنّ اللبنانيين أيضاً منحازون إلى هذا الخيار الفكري. لكن طرح الشاعر الكبير، يصعب أن يتقبله غير المولعين بالفرنكوفونية. وإذا تجاوزنا كلامه عن العلاقات اللبنانية ــــ الفرنسية المتميزة، نجد أنّه استبعد من حديثه الجانب التاريخي الذي أسس للعلاقة بين البلدين. ولفت إلى أن ثقافتين مختلفتين تسـودان في كل من فرنسا والعالم العربي.
والغريب أنّ متحدثة فرنسية هي من تطرّق إلى هذا الأمر. جنفياف غوبيه روبير ذكرت أن الحديث عن «الفرنكوفونية» ما كان ممكناً لولا الحملات الاستعمارية. وتوقفت عند الآلام التي سببتها القوى الكولونيالية لأصحاب الأرض الأصليين، وشجبت الممارسات الاستعمارية. لكنها اعتبرت أن الدول المُستعمرة حملت المعرفة للشعوب التي وقعت تحت سيطرتها.
صوت غوبيه اخترق منظومة «التهليل» للفرنكوفونية، وفيما كان المغربي خير الدين مرابط يتوقف بألم عند تراجع مستوى إتقان تلامذة المغاربة للغة الفرنسية، كانت متابعة فرنسية ترد على «المادحين» بأن اللغة الفرنسية لم تعد لغة موليير وبأن الزمن تغيّر والمفردات أيضاً.