محمد خير

لم تعد المحطات الفضائية تعرف كيف تجتذب المُشاهد. تلجأ إلى «الأخبار السعيدة» تارة، وتطلق الـ «موبايل تي في» تارةّ أخرى. وفي زحمة المتنافسين، على القنوات المشفّرة أن تجتهد لإيجاد أفكار أكثر «ابتكاراً»... حتى لو كان ذلك على «حساب» الجمهور

تتخذ الحكومات الديكتاتورية قراراتها بغض النظر عن آراء مواطنيها. وتتعاظم المأساة عندما تتعلق هذه القرارات بحياة المواطنين مباشرة، وبالخدمات التي يدفع من أجلها هؤلاء ضرائبهم... ما مناسبة هذا الكلام؟ القصة ببساطة أن ما تقدم عليه الحكومات الديكتاتورية يشبه ما «فعلته» شبكة قنوات «شوتايم» أخيراً. الشبكة التلفزيونية الرائجة أجرت هذا الشهر تعديلاً شاملاً على باقة قنواتها وبرامجها، ولم تكلف نفسها عناء سؤال مشتركيها، أو حتى استطلاع آرائهم من خلال استفتاء على موقعها على شبكة المعلومات، ولم يشفع للمشتركين لدى باقة «شوتايم» أنهم يدفعون اشتراكات غالية، أو حتى مشتركي الدرجة الأولى الذين وفرت الشبكة لكل منهم رقماً خاصاً لخدمة العملاء (يستطيع الاتصال بالشركة من خلاله)، من دون الوقوف في طابور المنتظرين على الهاتف. مع ذلك فوجئوا كغيرهم، بالإعلان الذي بدأت «شوتايم» بثّه منذ آذار (مارس) الماضي، والذي «يبشّر» المشاهدين بتغييرات وإضافات «مدهشة» على قنوات شبكتهم المفضلة. بدأت «المفاجأة» منذ نيسان (أبريل) الجاري، لكنها لم تحقق لدى المشاهدين سوى الصمت حيناً والسخط أحياناً.
قناة «باراماونت» اختفت! هذه أول صدمة لقيها المشاهدون بعد تعديلات «شوتايم»... القناة المفضلة لدى معظم المشتركين، ويوصي بها بعضهم لمرضى الاكتئاب، لم يعد لها أثر. يحتاج الأمر هنا إلى توضيح: القناة التي تعرض 24 ساعة نخبة مختارة من المسلسلات الكوميدية الأميركية القصيرة، كانت تعيد عرض برامجها بفارق زمني يقدر بساعتين، على قناة «باراماونت 2». ولأن مدة عرض الحلقة الواحدة من هذه المسلسلات التي تعرضها القناة، لا تزيد على نصف الساعة، كانت «باراماونت» تحتاج إلى محطتين لتقديم خدمة استثنائية: في أي لحظة يفتح المتفرّج تلفازه كان سيجد على القناتين برنامجين مختلفين، وهو ما يتيح له الاختيار بينهما. لذا لم يكن سيعترض على تكرار البرامج لأنه لن يجلس أمام قناة مسلسلات أكثر من ساعتين متصلتين. ولو فعل، فيمكنه البدء بقناة «باراماونت 2» ثم العودة إلى «باراماونت الأولى»، كل هذا جميل، فما المشكلة؟
المشكلة أنّ «شوتايم» دمجت القناتين في قناة واحدة بعنوان «تشانيل كوميدي»، الأمر الذي أجبر المتفرج على مشاهدة ما تعرضه القناة الجديدة التي وجدت الحل في عرض حلقتين متتاليتين من المسلسل نفسه. هكذا سيضطر المشاهد الذي لا يحب برنامجاً معيناً إلى الانتظار ساعة بدلاً من نصف الساعة. أما لو كان العرض لإحدى الحلقات الطويلة غير المترجمة لأي من ديفيد ليترمان أو كونان أوبرايان، فربما سيكون من الأفضل إطفاء التلفاز أو ممارسة أي نشاط آخر!
ليس ما سبق ذكره هو فقط ما فعلته «شوتايم» بموادها الكوميدية، في الواقع لقد أنشأت قناة جديدة للأفلام، تحمل اسم «موفي كوميدي». ويتضح من اسمها ما تعرضه، لولا أنه في أحيان كثيرة، لا يدرك المتفرج علاقة الفيلم المعروض بالكوميديا. وهو ما ينطبق أيضاً على القناة الجديدة «موفي فاميلي» التي يفترض أن تناسب أفلامها «جميع أفراد الأسرة». ويختلط الأمر على المتفرج، فلا يعرف إن كان يشاهد «فاميلي» أم «كوميدي». ولماذا يعرض هذا الفيلم هنا ولا يعرض هناك. لكنه سرعان ما يميز الفيلم المعروض على القناة الجديدة «موفي أكشن»، وإن كان الأمر يتطلب الانتظار بعض الوقت حتى يبدأ «الأكشن»! أما قناة «الشاشة» المتخصصة بالأفلام العربية، فبدأت بعرض برامج منوعات إضافة إلى الأفلام.
التخصص مطلوب، لكنه إذا زاد على الحدّ ألغى عنصري الترقب والاستمتاع بما هو غير متوقع. يحتاج المشاهد أحياناً إلى أن ينتظر عرض الفيلم المقبل، من دون أن يعرف مقدماً ما سيأتيه. خصوصاً أن «شوتايم» عندما قررت أن تحول معظم قنوات الأفلام إلى قنوات متخصصة، ضحّت بقنوات أخرى، مثل «موفي+1» التي كانت تعرض أفلام «موفي تشانيل» بفارق زمني يعادل ساعة، وهو ما يسمح لمن فاتته بداية الفيلم أن ينتظرها على القناة الأخرى. وألغت قناة «موفي تايم» التي كان يتابعها عشاق أفلام السبعينيات والثمانينيات. وتم تحويل قناتي «تي في لاند» إلى «سيريس» و«اكسترا» اللتين اقتصرت عروضهما على المسلسلات البوليسية فقط... أما بقية المسلسلات فيتابعها المشاهد على القناة الجديدة «سيريس 2».
لماذا صممت «شوتايم» موقعها على الإنترنت؟ ولماذا منحت كل مشترك لديها حساباً خاصاً على الموقع ما دامت عند تعديل برامجها، تصرفت مثلما تتصرف الفضائيات المجانية التي لا يدفع فيها المتفرج أموالاً؟... مع أنه حتى هذه الأخيرة، كثيراً ما تجعل مشاهديها يحددون فيلم السهرة.