رنا حايك
حرم المخاض الذي تعيشه بيروت هذا العام الجمهور اللبناني التظاهرة الثقافية التي ينتظرها سنوياً في “إكسبو بيروت”. وبدا الكتاب يتيماً بعدما أُلغي “معرض بيروت الدولي للكتاب” الذي كان المناسبة اليتيمة تقريباً للاحتفاء بالكتاب في لبنان. وها هي الحركة الثقافية في أنطلياس تعيد بعض الروح اليه. إذ تفتتح اليوم “المهرجان اللبناني للكتاب” في دورته الـ26 لتؤكد نيتها انتشال الوطن من بؤرة التخبط الفئوي.
فعاليات المهرجان، الذي يستمر حتى 18 آذار (مارس)، ستتيح الفرصة لأكثر من 125 دار نشر عربية وأوروبية في عرض جديدها، كما تخلق مساحة، عبر الندوات التي تنظّمها، لحوار نحتاج اليه فعلاً. فـ“عامية أنطلياس” ليست تاريخاً عفا عليه الزمن، بل ضرورة أثبت لبنان حاجته إليها بين أزمة وأخرى. تحفل الأيام الـ 17 بالتواقيع والتكريمات لكتّاب ومبدعين في السياسة والتاريخ والقانون والأدب. تتنوّع حفلات التوقيع بين الكتب السياسية (“أخطاء وخطايا الحرب على لبنان صيف 2006” لدعد بو ملهب عطا الله)، والدواوين الشعرية (بينها دواوين طوني مطر وميشلين مبارك وجانيت القاصوف وكابي فغالي وبسام موسى) والكتب القانونية.
أما الندوات، فتتنوّع بين تلك الدينية (وجيه كوثراني “بين فقه الإصلاح الشيعي وولاية الفقيه- الدولة والمواطن”)، والسياسية (كمال ديب “أمراء الحرب وتجار الهيكل: رجال السلطة والمال في لبنان”)، والتاريخية (سليم تقلا “من بناء الدولة إلى معارك الاستقلال”)، ولا تغفل المواضيع الفنية ( “الدماغ بين القراءة والفن: غذاء وعلاج” يشارك فيها نداء أبو مراد وأنطوان سعد).
وكعادته كل عام، يخصّص المهرجان جزءاً من نشاطاته لتكريم أعلام الفكر. ويكرّم هذه السنة عالم الاجتماع أحمد بيضون، والفنان جميل ملاعب ومؤلف “الرّهان اللبناني” مالك بصبوص، وطبيب العيون وفيق سنو، والأب سمير خليل.
ولا ينسى المهرجان الاحتفال بالمعلم، من خلال تكريم الأم دانييلا حروق والدكتور هشام نشابة ضمن ندوة تشارك فيها الفنانة ماجدة الرومي. كما لا ينسى الاحتفاء بيوم المرأة العالمي، فيقدم تحية إلى حسانة الداعوق وليندا مطر في ندوة يشارك فيها الاقتصادي كمال حمدان. أما الأطفال، فيتذكرهم من خلال عرض فيلم تثقيفي بعنوان “همدرة” يليه حوار بالتعاون مع “دار قنبز”.
رحيل جوزف سماحة ومي غصوب وإيليا حريق خيّم على المعرض هو الآخر. ووعد أمين الإعلام في الحركة، الصحافي جورج أسطفان بعقد لقاءات خلال المعرض “تفي هؤلاء الراحلين بعضاً من فضلهم على الثقافة والكتاب”. أسطفان الذي يؤكد عدم انفصال الهمّ الثقافي عن الهم السياسي، يقول إنّ الحركة “تؤمن بوطن حر، مستقل، علماني، تصان فيه حرية الرأي والتعبير ويرفض العنف والاقتتال”. وقد اعتاد المنظمون إقامة المهرجان “تحت وقع القذائف” وتقديم المنبر الحر لجميع الفرقاء في طرح آرائهم رغم تعرّضهم خلال الحرب لتوجّس اليمين المتطرّف في أنطلياس. ما فرض عليهم في الكثير من الأحيان ضرورة تأمين الطريق للمشاركين من “الضفة الأخرى” في الفعاليات التي عقدت وسط نيران الحرب الأهلية .
وخلق المهرجان “شخصيته” المستقلة التي ساعدته على الاستمرار رغم انعقاد مهرجان بيروت الدولي للكتاب الذي “لا يتنافى معه بل يتم التنسيق مع هيئته كل عام” رغم فقدان ميزته الأساسية كتظاهرة ثقافية ينظمها علمانيون في منطقة عرفت الانعزال كغيرها خلال حرب المناطق.
“انتهاء الحرب لم يُفقد المعرض أهميته”، يقول أسطفان، الحركة التي قامت على أيدي مجموعة من طلاب كلية التربية في الجامعة اللبنانية عام 1979 منبثقين عن “حركة الوعي”، لا تزال تضمّ النوعية ذاتها من المثقفين من جميع المشارب، همّهم خلق مساحة للحوار، وبوصلتهم ذلك البند من دستور الحركة الذي يتضمن نص عامية أنطلياس العائد إلى عام 1860.
هذا الهمّ كان وراء عقد الحركة لمؤتمر في شأن القرار 1701 خلال العام الماضي، بهدف تأمين مساحة “للحوار بدلاً من تبادل الشتائم على شاشات التلفزيون”.
يتّسع معنى المهرجان ويتخطّى الحيّز الثقافي ليرتبط بهموم الوطن، يبقى وفياً لتاريخه في ربط الأواصر وتأكيد “أن الثقافة لم تمت بعد في هذا البلد” والرهان على الحوار.
تنظيم “الحركة الثقافية في أنطلياس” ــ “دير مار الياس”، القاعة الكبرى

بدءاً من اليوم وحتى 18 آذار www.mcaleb.org