القاهرة ـ محمد خير

نوال السعداوي اليوم في قلب الإعصار. “مكتبة مدبولي” أتلفت كتابها الإشكالي قبل أن يتخذ القضاء أيّ قرار بشأنه. مثقفو مصر خارج المعركة. وها هي الكاتبة والمناضلة النسويّة الموجودة في بروكسل، تقف وحدها ضدّ الجميع

  • هل تعود صاحبة {المرأة والجنس} إلى السجن في الـ 77؟

  • لا تبدو “ورطة” نوال السعداوي سهلة هذه المرة، وقد شحذ الجميع السكاكين، كل على طريقته، للفتك بالكاتبة السبعينية. حتى إنّ “مكتبة مدبولي” الشهيرة التي طبعت معظم كتب السعداوي، أعلنت “إعدام” جميع النسخ التي طبعتها من مسرحية “الإله يقدم استقالته من اجتماع القمة” التي قال مجمع البحوث الإسلامية إنّه سيتقدم ببلاغ بصددها للنائب العام، يتهم فيه نوال السعداوي بالإساءة للذات الإلهية والأديان السماوية والقرآن الكريم. والغريب أنّ “مكتبة مدبولي” أصدرت حكمها قبل أن يتخذ القضاء أي قرار بشأن الرواية. وأعلنت الدار أنّها “أعدمت النسخ لما فيها من إساءة للأديان”، وأنّ “إدارة المكتبة طبعت الكتاب من دون أن تطّلع على النصّ” (!). أمّا برلمانياً، فتعدّ اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري تقريراً عن المسرحيّة، وتستعد اللجنة التي يرأسها الدكتور أحمد عمر هاشم لطلب اتخاذ إجراءات ضد الكاتبة، ما إن ينتهي إعداد التقرير المفصل.
    البلاغ الذي يعتزم الأزهر تقديمه، يأتي بعد أيام من الضجة التي أثيرت حول “هروب” مزعوم للسعداوي من مصر، إثر تصريحات نشرتها صحيفة “لو سوار” البلجيكية، وقالت فيها السعدواي إنّها غادرت مصر هرباً من الاضطهاد ودعاوى التكفير. إلا أنّ الكاتبة عادت لتؤكد أنّ الصحيفة بالغت أو أساءت فهم تصريحاتها، ودلّلت على ذلك بأنها لم تهرب يوماً من معاركها، على رغم ما عانته طويلاً من سجن واضطهاد وإهدار دمها... ووضع اسمها على قوائم التكفير. وأكدت أنّها سافرت للمشاركة في مؤتمر في العاصمة البلجيكية، تتوجّه بعده إلى الولايات المتحدة، لتسلّم جائزة “الأدب الأفريقي” عن مجمل أعمالها من جامعة “ويست فرجينيا” في 14 آذار (مارس) الجاري.
    وعلى رغم نفي السعداوي مسألة هروبها من مصر، يشير التطوّر الدراماتيكي للأحداث الى أنّ عودتها إلى بلادها قد لا تكون وشيكة... وخصوصاً لو صدر حكم ضدها في البلاغ الذي قدّمه المحامي نبيه الوحش يتهمها بازدراء الدين الإسلامي. وتأتي هذه الاتهامات إثر تصريحات أدلت بها الكاتبة لصحيفة “الحلوة” في حزيران (يونيو) 2006، اتهمت فيها اللغة العربية بالتحيّز الذكوري، ما اعتبره المحامي طعناً في اللغة القرآنية. ويذكر أنّ المحامي هو نفسه الذي قدم بلاغاً للنائب العام ضد الإعلامية هالة سرحان يتهمها بالإساءة لسمعة مصر على خلفية حلقات “بنات الليل” على شاشة “روتانا”، وهو نفسه الذي اتهم الكاتب أسامة أنور عكاشة بالإساءة للصحابي عمرو بن العاص على خلفية المسلسل الذي قام ببطولته نور الشريف. وقد سبق للمحامي نفسه اتهام نوال السعداوي بالردّة عام 2001. إلا أنّ النيابة حفظت يومها القضية. أما بلاغه الأخير ضد السعداوي فيشمل أيضاً ابنتها الدكتورة منى حلمي التي طالبت في مقال لها في مجلة “روز اليوسف” بأن يحمل المولود اسمَي أبيه وأمه معاً. وهو ما اعتبره المحامي مخالفًا للآية القرآنية “أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله”.
    السعداوي أكّدت أنّها ستعود إلى مصر لخوض معركتها، وأن تهمة ازدراء الأديان لن ترهبها. لكن في ظل جدية الاتهامات هذه المرة، وصدور تلك الاتهامات عن الأزهر نفسه، تُطرح أسئلة كثيرة عن مدى قدرة السعداوي على خوض تجربة السجن من جديد، وقد تخطّت الآن عتبة السادسة والسبعين!
    لكن، لماذا تخلّى الجميع عن المناضلة النسويّة والكاتبة المشاغبة؟ ما ساهم في عداء كثيرين لنوال السعداوي، أنّها لم تتوقف يوماً عن انتقاد الجميع، وابتعدت عن مغازلة القراء أو النقاد في أكثر من أربعين كتاباً أصدرتها حتى الآن. وعلى رغم مظاهر الاضطهاد الذي تعرضت له طويلاً، إلا أنها اشتهرت بالعناد والتمسك الصلب برأيها. وعندما نشرت كتاب “المرأة والجنس” في عام 1972، فُصلت كطبيبة من وزارة الصحة، ثم فقدت وظيفتها كمحرّرة في مجلة “الصحة”، بل استُبعدت من موقع مساعدة سكرتير عام نقابة الأطباء. لكنّها لم تلبث بعد سنوات أن عملت كمستشارة للأمم المتحدة في أفريقيا والشرق الأوسط، ثم خاضت تجربة السجن الساداتي.
    وبعد خروجها في أوائل الثمانينيات، أسّست منظمة “المرأة العربية الجديدة”، فازدادت شهرتها وترجمت أعمالها إلى لغات عدة، وحاضرت في العديد من الجامعات في أوروبا والولايات المتحدة، وأصبح لها العديد من التلميذات المتحمسات اللواتي يعتبرنها مثلهن الأعلى. مع ذلك، فإن النخبة المصرية لم تختلف كثيراً في تعاملها مع نوال عن تعامل “الجماهير” معها. بل أسهمت الآلة الإعلامية في التركيز على “شطحات” نوال، وفصل تلك الشطحات عن سياقها ووضعها في جو من الإثارة الصحافية، لتكوين صورة عن نوال هي صورة “المتحررة الباحثة عن الشهرة”. وهي الصورة التي جعلت كتب السعداوي تتعرض للمصادرة المستمرة من دون أدنى مقاومة من المثقفين، بل وبتشجيع من بعضهم للأسف.