بشير صفير
  • هــدوء! إنهــم يرقصـــون... في انتــظار «كارمن»

    بعد عازف الغيتار باكو بينيا الذي قدّم من تأليفه Requiem Flamenco، يستضيف المهرجان الشهير غداً عرضاً راقصاً من إسبانيا يجمع بين الفلامنكو والرقص الحديث. ويختتم «البستان» بموعد ينتظره عشاق الأوبرا مع بطلة بروسبير ميريميه

    منذ عام 1994، اعتدنا الموعد السنوي مع مهرجان البستان في هذه الفترة من السنة. إسبانيا هي ضيفة المهرجان لموسم 2007، والعروض الفنية المقررة في البرنامج بدأت منذ 21 شباط (فبراير) الماضي وتستمرّ حتى 25 آذار (مارس) الجاري.
    إسبانيا هي الضيفة إذاً. وفي البرنامج موسيقى لمؤلفين من إسبانيا، وموسيقى مستوحاة من التراث الإسباني لمؤلفين أوروبيين، رقصات إسبانية، أوبرا كارمن الشهيرة التي تدور أحداثها في إسبانيا، على رغم أنّ كاتب النص فرنسي، بروسبير ميريميه، وواضع موسيقاها فرنسي أيضاً وهو جورج بيزيه.
    إنّ تمحور الموضوع الفنّي حول بلد (أو فكرة) محدّد يشكّل إحدى ميزات هذا المهرجان منذ انطلاقه. فالمهرجانات الموسيقية الأخرى في لبنان (بيت الدين، بعلبك، بيبلوس...). إلا أنّ الميزة الأهم في هذا المهرجان هي رهانه على المواهب الشابة، المغمورة التي لا تلبث أن تتصدر أسماؤها بعد حين برامج المهرجانات العالمية وتوقّع العقود مع شركات كبرى لإنتاج الأسطوانات، لا سيما العازفين المنفردين. هذه مجازفة تتطلب متابعة حثيثة لما يجري في عالم الموسيقى الكلاسيكية، وتكتنف معرفةً موسيقيةً غير عادية لدى المنظمين. إذ ترتكز عملية اختيار الموسيقيين إلى الكفاءة وليس الشهرة والأسماء المكرّسة التي تبحث عنها المهرجانات الموسيقية الأخرى. من جهة أخرى، يحضن مهرجان البستان الموسيقيين اللبنانيين الناشطين خارج الوطن، من خلال استضافة أسماء لبنانية كبيرة (وسام بستاني، ناجي حكيم، عبد الرحمن الباشا، نسيم معلوف، زاد ملتقى...)، أو مواهب شابة (زياد كريدية، ابراهيم معلوف، سمير الغول...).
    هذه السنة، وعلى رغم الأوضاع المضطربة في لبنان، حافظ المهرجان على مستواه مقارنة بالسنوات السابقة: الأسماء الكبيرة حاضرة (عازف الغيتار باكو بينيا، عازف التشلّو لويس كلاريت، المسرحي جان بيا...) والمواهب الواعدة كثيرة (عازف الفيولون كاي غلويستين، عازفة البيانو كاترين أوردرونو، عازف الفيولون ساشا روجدستفينسكي...). أما الموسيقيون اللبنانيون فمكانهم محفوظ (عازف البيانو سمير الغول، “فرقة غيتارات الأرز”، الأوركسترا الوطنية اللبنانية...)، والبرنامج غني من الموسيقى الكلاسيكية بشتى أشكالها (أعمال اوركسترالية، موسيقى الحجرة، أوبرا...) الى موسيقى العالم (أي ذات الطابع التراثي) والمسرح والعروض...
    وأمس، كان محبّو الموسيقى الكلاسيكية على موعد مع أمسية مألوفة قدّم خلالها عازف الغيتار خوسيه ماريا غالاردو ديل راي مع الأوركسترا الوطنية اللبنانية بقيادة الإسباني إدمون كولومير، العملَ الأشهرَ في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. إنّه “كونشرتو دي أرنخويز” الذي جمع آلة الغيتار في حوار مع الأوركسترا، لأحد أشهر المؤلفين (المحافظين) في إسبانيا في القرن العشرين يواكين رودريغو الذي أهدى العمل الى مدينته أرنخويز (1939). وكان في البرنامج الكونشيرتو الثالث للفيولون والأوركسترا لكامي سان ـــ سانس أحد أهمّ مَن أعادوا إلى فرنسا مجدها في الموسيقى الكلاسيكية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
    غداً أيضاً، يستضيف المهرجان عرضاً بعنوان “هدوء! انظروا، إنهم يرقصون” يقدّمه ثلاثة راقصين من إسبانيا في لوحات تجمع بين الفلامينكو والرقص الحديث. وفي 13 آذار، تقدم “فرقة غيتارات الأرز” المؤلفة من 10 عازفي غيتار لبنانيين بقيادة جان بوجيكيان مجموعةً من الألحان المعروفة.
    في 14 آذار، يقدّم عازف البيانو الشاب فيستراد شيمكوس سوناتات للبيانو لهايدن (من الحقبة الكلاسيكية) وبيتهوفن (من الحقبة الرومنطيقية) وسولير (أي الأب أنطونيو سولير من الحقبة الكلاسيكية أيضاً)، و”الرابسودي إسبانيول” للمؤلف المجري فرانز ليست الذي أعدّه، مستنداً الى ألحان إسبانية تراثية، بالإضافة الى أعمال لموسكوفسكي ويواكين تورينا.
    في 16 آذار، حفلة بعنوان “تحيا إسبانيا” مخصّصة لفنّ الأوبريت في إسبانيا أو ما يعرف بالزارزويلا (Zarzuela) يقدّمها التينور فرانشيسكو كوروخو يرافقه على آلة البيانو نوزيت ميديروس. “الساعة الإسبانية” (L’heure espagnole)، عمل أوبرالي كوميدي للمؤلف الفرنسي وأحد مؤسسي تيار الانطباعية في فرنسا موريس رافيل، يقدّمه في صيغة خاصة طلاب الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا) في 17 آذار. وضمن يوم الفرنكوفونية في لبنان، يقدّم جان بيا (في 20 آذار)، عملاً بعنوان «Impromptu» للكاتب المسرحي والأديب الفرنسي ساشا غيتري. لكنّنا كنّا نتوقع عملاً من روائع فيديريكو غارثيا لوركا قد يتناسب مع موضوع المهرجان. وهذه نقطة ضعف كان ينبغي تفاديها.
    من الإكوادور إلى لبنان، يعود عازف البيانو سمير الغول إلى وطنه الأم ليقدم أوّل حفلة له في لبنان (21 الشهر) يعزف خلالها مقتطفات من متتالية “الهامبر” لأحد مؤسسي تيار الموسيقى الكلاسيكية الإسبانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إسحق ألبينيز، والسوناتة الكبيرة للمؤلف الروسي تشايكوفسكي، وهي من الأعمال الصعبة لآلة البيانو ومدتها طويلة. وقلّما يعيرها الاهتمام عازفو البيانو العالميين، فيما اشتهر العازف الروسي الكبير سفياتوسلاف ريختر بتسجيل تاريخي لها. في البرنامج أيضاً، سوناتة للبيانو للمؤلف النمسوي فرانز شوبرت (لم يحدّد رقمها أو مقامها).
    ويختتم المهرجان موسمه بعرضين لأوبرا “كارمن” الشهيرة في 24 و25 من الشهر، تقدّمهما فرقة “هيليكون أوبرا” الروسية (للمرة الثانية في المهرجان) بأسلوب معاصر. تدخل في السينوغرافيا أكسسوارات تُقدّم على العمل في صورة حديثة.
    في برنامج المهرجان، أخيراً، أمسية موشّحات تستعيد علاقتنا نحن العرب، ببلاد الأندلس، تقدّمها جوقة الكونسرفاتوار الوطني اللبناني بقيادة عايدة شلهوب زيادة والأوركسترا الخاصة به بقيادة وليد غلمية الذي تولّى الإعداد الموسيقي للمقطوعات التي ستُقدّم في 15 آذار.

    للاستعلام: 03-752.000
    www.albustanfestival.com