strong>رلى راشد
يكاد الأدب الهندي، في الأشهر الأخيرة، لا يُفارق أروقة المعارض الأوروبيّة للكتاب. بعد فرانكفورت، ها هي الهند تحلّ ضيفة شرف في باريس، للمرّة ثانية خلال عقدين، وهي سابقة لم يعرفها هذا الحدث الثقافي من قبل. 31 كاتباً هنديّاً سيحملون “بلاد غاندي” معهم الى “بوابة فرساي”، حيث يقام معرض “باريس الدولي للكتاب” بين 23 و27 من الشهر الجاري. سيستقبل الموعد الباريسي هو الآخر وللمرّة الثانية (بعد 1993) أكبر ديموقراطية في العالم، كضيفة شرف، في قرار اتّخذ في اللحظة الأخيرة بعد انسحاب كوريا الجنوبيّة التي بقيت المُرشّحة الأبرز حتى آذار (مارس) الماضي.
تنطوي الهند، وبعيداً عن الكليشيهات التغريبيّة، على أدب لا يُختزل بطاغور أو بما كتب بالإنكليزية خلال عقود، حاجباً الرؤية عن أدب هنديّ آخر قدّم أساليبه التعبيريّة الحديثة بلغات محليّة مثل لغة مالايالام وغيرها. هذا ما سيحاول معرض باريس الإضاءة عليه من خلال صنّاع أدب هندي محليّ غير مترجم الى الفرنسيّة، ولا سيما حسن موشيرول وتشاند غوبي وناير فاسوديفان وشهريار آمك، وهي أصوات من بين أخرى احتجّت على تأييد المؤلّفين الهُنود بلغة شكسبير، ــ وإن مواربةً ــ لامبريالية ما بعد الاستعمار.
ربما لن يستضيف معرض باريس اميتاف غوش صاحب “حلقة المنطق” (“دار ميديسيس” ــ 1990) الذي غاص في خيبات أمل المهاجرين الهنود الى أميركا المدينيّة، لكنّه لن يغيب عن أقلام أنغلوفونية مُكرّسة أخرى أسهمت في إطلاق تيّار الأدب الهندي مثل فيكرام سيث (“الصبي الملائم”)، وتغيبال تارون (“خيمياء الرغبة”)، ممثّلي كتّاب الشتات الذين ينتمي اليهم سلمان رشدي صاحب “آيات شيطانية”. ستموّل “منظمّة الترويج التجاري الهندي” و“اتحاد الناشرين الهنود” الجناح الهندي في معرض باريس، حيث أكثر من عشرين دار نشر فرنسيّة مُشاركة، من بينها “أكت سود” و “فيليب بيكييه” و“لو سوي” و“فايار” و“منشورات كاراكتير”.... التي ستجد نفسها معنيّة مباشرة ببلاد الـ16 ألف دار نشر، وبأدبائها الذين أسهمت فرنسا في انتشارهم.
وفي إطار فعاليات المعرض الذي زاره العام الماضي 174 الف شخص، وجمع أكثر من 1100 ناشر و1800 كاتب فرنسي وأجنبي، ستنضمّ مجموعة من الناشرين الى 400 مكتبة فرنسيّة لاطلاق المسابقة الأدبيّة “على طريق اكتشاف الهند” بغية انتخاب أفضل كتاب من بين 15 كتاباً سيتم اختيارها مسبقاً.
هل يكفي حلول الهند ضيفة شرف في حدثين ثقافيين بارزين للدلالة على مكانة الأدب الهندي في المشهد الأدبي العالمي؟ يشكّك الكاتب البريطاني من أصول هندية الحائز نوبل للآداب في. إس. نايبول بذلك. ففي مقابلة مع صحيفة “بيرلينر تسايتونغ” الألمانية، على خلفيّة معرض فرانكفورت الأخير، لم يتردّد في الإجهاز على كتّاب هنود يتوجّهون الى سوق دولية ونقّاد أجانب... ويعتمدون على نسخِ أكثر الأساليب الكتابية تنوّعاً، في محاولة للتماهي مع غراس أو جويس، على حساب حساسيتهم الشخصيّة. على ما يبدو، لم يتخلّص الأدب الهندي من حاجته الى التوقّف عند مقاربة باقي العالم له، وهنا يكمن ربما صلب إشكاليّة أدب الجنوب.