strong>نور خالد
إلى جانب عباس ناصر، مراسل “الجزيرة”، الجالس على صخرة في نهر الأولي، تظهر بقرة. تشرب وتسبح. هو ينهي تقريره عن الأزمة الإسرائيلية اللبنانية المائية، وهي تبعث على الضحك. موضوع التقرير الذي بثّته “الجزيرة”، صباح أمس، من المفترض أنه جدي للغاية، لكن ناصر بحث فيه عن شيء من الفكاهة... ليس ناصر وحده، إنها “موضة” مراسلي الأخبار. النهج الجديد الذي يتّبع في الـ“ستاند آب”، المصطلح التقني الذي يطلق على “قفلة” التقرير الإخباري... مذيعون يرقصون التانغو ويتحدثون إلى المشاهد، يأكلون ويشربون ويكملون الرسالة. لا ضير في قليل من الإبداع، فالارتجال الذي يخرج الصورة من جمودها، يضفي بعض الحيوية على صرامة القوالب الإخبارية التي تسرّب الضجر إلى المشاهد أحياناً. لكن السؤال يكون عن حدود هذا الارتجال وطبيعته وسياقه، والحذر من أن تغلب الحماسة في “زخرفة” الصورة على كونه الخبر، فيتشتّت المشاهد عن المعلومة. المعلومة، وتحديداً في “الستاند آب” حيث التلخيص والإيجاز، تبقى هي الأهم. والثواني التي يتشتت فيها الانتباه لمصلحة مشهد البقرة السابحة، خاسرة في المعادلة الإخبارية.
في تقرير آخر بثّته “الجزيرة” منذ أيام، يظهر مراسلها في القاهرة محمد الكلك أمام محل لبيع الحليب. يتحدّث عن الأزمة الراهنة في الشارع المصري، حيث تُلاحق 50% من منتجات الحليب، بتهمة الغش وإيذاء صحة المواطن. يختار أن يكون “الستاند آب” على الشكل التالي: يحمل ملعقة، ينظر إلى الكاميرا، يغمس الملعقة في كاسة الحليب المجمّد، يلعق شفتيه، يبتلع اللقمة على عجل، ثم يقول: “سأظل كما مواطن الشارع أتناول اللبن (الحليب)، إلى أن تثبت الجهات المختصة أنه مغشوش ومؤذٍ للصحة”. قفلة أرادها المراسل محمّلة بالتحدي، ومواجهة “الخطر”.
المناسبة عيد الأم، والصورة تحتاج إلى شيء من العاطفة. مراسلة الأخبار على تلفزيون “دبي” تبثّ تقريرها من مستشفى الوصل في المدينة. تقابل الأمهات المتروكات على سرائر المرض. اللقطة الأخيرة: تمسك بيد طفل، تعيده لأمه، ثم تعود إلى الكاميرا، وتقول كلاماً على الحب والدفء والمشاعر النبيلة. كان في وسع الطفل أن يظل في خلفية المشهد، ينظر الى الكاميرا بحذر وفضول وتلصص، لكن المراسلة أرادته شريكاً. شربل أبو ديوان، معدّ تقارير على قناة “العربية”، يفعل الأمر نفسه. يركل الكرة في حديقة الصفا، وحوله جموع من الأطفال، ثم يتوسّطهم، في مرمى الشباك، لابساً بيجامة رياضية، وينهي تقريره. الأطفال مشهد محبّب في تقارير البرامج الاجتماعية، أو برامج القنوات الإخبارية التي تبثّها في الصباح (“العربية” و“الجزيرة”). لكن تلك التقارير يُعاد بثّها في نشرات الأخبار اللاحقة. في المساء، يتغير المزاج: أطفال العراق، الأشلاء، يستولون على الصورة. يصبح مشهد أطفال الحديقة غريباً بينهم. تناقض ليس، طوال الوقت، في مصلحة الصورة وهويتها. لماذا لا تبقى التقارير ذات القفلات الإبداعية الخفيفة في سياقها الطبيعي؟
أبو ديوان في حفلة افتتاح قناة “إم بي سي آكشن”، يفاوض “البادي غارد”، أصحاب العضلات المخيفة، على أمر أشد رعباً. يريدهم أن يحملوه ويرموه خارج الأسوار التي كانت تضفي على مكان الاحتفال، على شاطىء الجميرا في دبي، أجواء السجن. عليه أن يجري بروفات. على الكاميرا أن تلاحقه وتلتقط الزاوية الأمثل. يعيد الفريق اللقطة أكثر من مرة. في كل مرة يقع فيها المراسل على الأرض يسمع صوت تأوّهاته، وأحياناً “طرطقة عظام”. إنه نوع من “الستاند آب” الذي يضحّي فيه المراسل بـ“عظامه” من أجل لقطة مثيرة أو طريفة. هل يستأهل الأمر؟