محمد خير
لم تعد المسلسلات مهتمة بالواقع المصري. صنّاعها تائهون بين سوريا وأميركا... يتوغلون تارة في أزقة الشام، ويعبرون طوراً المحيط إلى بلاد العم سام. في هذا الوقت، تبدو الساحة خالية لعمرو خالد وتلميذاته

تركزت غالبية الانتقادات التي طالت الدراما التلفزيونية المصرية في السنوات الأخيرة على ابتعادها عن الهموم اليومية التي يكابدها المواطن المصري. في الواقع، توزعتالدراما غالباً بين مكانين: أولهما الحارة التقليدية، ليست تلك الحارة الحقيقية التي تعاني مشكلات الفقر المدقع والتلوث والبطالة المذلة. إنما هي حارة متخيلة تستريح فيها “المعلمة” على كرسيها الخشبي في قلب المقهى، وتسكنها الراقصة “الشهمة” التي تنفق على عائلتها. وحبذا لو كان المسلسل تاريخياً ليسمح بإضافة بعض “الإنكليز” السكارى دائماً، وهم لا يدخلون الحارة إلا لمغازلة بناتها بوقاحة، ما يستلزم تدخلاً سريعاً من أولاد البلد “الجدعان”، أولئك الذين يتسلّون من حين الى آخر بخطف بعض جنود الاحتلال!
أما المكان الثاني الذي سكنت فيه دراما السنوات الماضية، فهو قصور الأثرياء التي يعيش فيها رجال الأعمال “الشرفاء”. يعذبهم مسلك أبنائهم المستهترين، أولئك الأبناء يعودون عادة الى رشدهم في نهاية المسلسل، بعد أن يلقي رجال الشرطة القبض على “أصدقاء السوء”، فيرتاح الأب أخيراً ويتفرغ لمهمته الجليلة التي تتلخص في مضاعفة ثروته كل حلقتين!
النتيجة كانت واضحة للجميع: تراجعت الدراما المصرية لمصلحة تلك السورية. لكن الأولى احتفظت، على رغم كل شيء، بنسبة المشاهدة العليا، ويعود سبب ذلك فحسب إلى الجماهيرية الجارفة لنجومها، من يحيى الفخراني إلى يسرا، ومن حسين فهمي إلى فيفي عبده، مروراً بمحمود عبد العزيز ونبيلة عبيد إلى آخر سلسلة النجوم. أضف إلى ذلك عودة المحجّبات سهير البابلي وصابرين وسهير رمزي، وارتداء الشابتين حنان ترك وحلا شيحة للحجاب أيضاً. حازت الدراما المصرية جمهوراً جديداً هو الجمهور المحافظ الذي كاد أغلبه يترك الدراما نهائياً إلى عمرو خالد، لكنه لم يفعل لأن خالد بنفسه جاء إليه عبر تلميذاته المحجبات.
ولأن نسب المشاهدة ليست كل شيء، ومع حقيقة أن الدراما السورية أصبحت الفضلى وخصوصاً على مستوى الكتابة والإخراج، وبعد التهديد الذي شعر به بعض النجوم، إثر النجومية الكاسحة التي حققها جمال سليمان في مصر من خلال “حدائق الشيطان”. بعد كل ذلك، قرر المنتجون في مصر أن يتحركوا، فماذا فعلوا؟
في مسرحية “تخاريف” للفنان محمد صبحي، يحقق الجنّي حلم البطل بالثراء، فيشتري البطل كل ما يراه حتى إن معاونه يخبره بأن مفكراً جديداً ظهر في اليونان، فيقول له صبحي: اشتره!. على هذا النحو تصرف القسم الأول من المنتجين في مصر، لقد وجدوا النجوم السوريين ناجحين ومتميزين، فقرروا أن “يشتروهم”. وهكذا انهالت العقود على الفنانين السوريين، من شركات “الباتروس” و“الجابري” و“غود نيوز” وغيرها: جمال سليمان لبطولة مسلسل جديـــــــــد قد يكون “عنترة بن شداد”، أيمن زيدان لبطولة “طلقات في الهواء”، سلاف فواخرجي لبطولة “روز اليوسف”. أمـا جومانة مراد فقد استقرت في مصر نهائياً، بمجرد أن أنهت تصوير مسلسلها المصري الثالث “سوق الزلط”. كل ذلك شجّع محطة “إم بي سي” للتعاقد مع حاتم علي لإخراج مسلسل “فاروق الأول والأخير”. وهو رشّح مواطنه تيم حسن لتأدية دور البطولة. ولمَ لا؟ ألم تتعاقد “غود نيوز” مع المخرج نفسه لإنتاج فيلم عن جدّ الملك فاروق، “محمد علي باشا”، باني مصر الحديثة.
أما القسم الثاني من المنتجين فقد بحثوا عمّا هو أغرب. وعوض الاقتراب من الواقع المصري المهمل، ازدادوا ابتعاداً، عبروا المحيط الأطلسي إلى الولايات المتحدة الأميركية، فجلبوا نماذج جاهزة. كانت الريادة لشريف عرفة الذي أنتج “تامر وشوقية” على نسق الـ“سيت كوم” الأميركي، ثم عمرو قورة الذي أنتج “أحمد اتجوز منى” على مبدأ الـ“ميني كوميدي”، قبل أن يعود عرفة لينتج “لحظات حرجة”، وهو النسخة المعرّبة من المسلسل الأميركي ER. إذ تدور الأحداث لاهثة في أروقة المستشفى. وإن كانت الإثارة في المستشفيات الأميركية تنبع من سرعة الإيقاع، فإنها في المستشفيات العربية غالباً ما تنبع من جرائم الإهمال. ويبدأ عرض المسلسل يوم 15 كانون الثاني الجاري، وهو من بطولة يسرا ولطيفة ومنى زكي وهشام سليم وغيرهم.
استثناء وحيد عن كل ما سبق، هو تعاقد شركة “كنج توت” مع علاء الأسواني من أجل تحويل “عمارة يعقوبيان” إلى مسلسل تلفزيوني يكتبه عاطف بشاي. سيستقبل جمهور الشاشة الصغيرة وقائع العمارة المثيرة للجدل إذاً، وسيعيش تحولات الشارع المصري من خلال قصص “زكي الدسوقي” و“طه الشاذلي” و“كمال الفولي” مع فارق وحيد هو استبعاد شخصية المثلي جنسياً، وكان خالد الصاوي قد أدى الدور في الفيلم بنجاح كبير.