القاهرة ــ محمد خير
شهدت السينما المصرية انتعاشة حقيقية في العام الماضي، إذ أُنتج 42 فيلماً بلغت إيراداتها 40 مليون دولار. إلا أنّ 2006 هو أيضاً عام التغيرات: لقد بدأ الجمهور المصري يملّ “الكوميديا النظيفة”، متجهاً أكثر فأكثر الى الأعمال السياسية والبوليسية والاجتماعية

مع “مطب صناعي” الذي بدأ عرضه منذ أيام في القاهرة، يكون نجم الكوميديا أحمد حلمي قد قدّم فيلمه الثالث في عام 2006 بعد “ظرف طارق” في بداية العام و“جعلتني مجرماً” في الموسم الصيفي، ما يعتبر، بحدّ ذاته، مؤشراً الى انتعاش السينما المصرية في العام المنصرم الذي أُنتج خلاله 42 فيلماً جديداً تنافست على إيرادات تبلغ 220 مليون جنيه (40 مليون دولار). ظاهرة احتكار نجم واحد لبطولة أفلام عدة في الموسم نفسه، كانت قد اختفت منذ منتصف الثمانينيات، إلا أن تلك الظاهرة لم تكن الوحيدة التي تجددت في 2006: للمرة الأولى منذ بدء طوفان كوميديا السينما النظيفة قبل عشر سنوات، يحتل المركز الأول فيلم غير كوميدي هو “عمارة يعقوبيان” لمروان حامد والكاتب علاء الأسواني. حقق هذا الأخير 20 مليوناً من الجنيهات، بينما تراجع نجم الكوميديا محمد سعد الى المركز الثاني للمرة الأولى منذ أربع سنوات. وحقق فيلمه “كتكوت” 19 مليون جنيه فقط. أما المركز الثالث فتقاسمه “ظرف طارق” لأحمد حلمي و“واحد من الناس” بطولة منة شلبي وكريم عبد العزيز. والفيلم الأخير بدوره ليس كوميدياً. وقد تخطى الفيلمان حاجز 16 مليون جنيه.
واصلت الأفلام غير الكوميدية صعودها، محققة إيرادات جيدة، تتنوع بين أفلام سياسية وبوليسية واجتماعية، منها الفيلم الرومانسي “عن العشق والهوى” (بطولة أحمد السقا)، وفيلم “ويجا” للمخرج خالد يوسف الذي يعرض له الآن فيلم “خيانة مشروعة” بطولة هاني سلامة وسمية الخشاب. ويتناول الفيلم قضايا الفساد وصراعات السلطة والنفوذ في مصر، ويحفل بإسقاطات عدة على ملف توريث الحكم من خلال صراع الشقيقين هشام (هاني سلامة) وصلاح (عمرو سعد) على تركة أبيهما رجل الأعمال الثري. ويتكشف من خلال صراعهما الدموي العالم السري لأبناء الكبار في مصر.
ما سبق يوحي بأن الجمهور المصري بدأ يملّ الكوميديا النظيفة، ولا سيما أنّ النجم محمد هنيدي ما زال يراوح مكانه منذ سنوات، وظل مع فيلمه “وش إجرام” في منتصف قائمة الإيرادات. وحققت ياسمين عبد العزيز نجاحاً مع فيلميها “حاحا وتفاحة” و“تمن دستة أشرار”. بينما حقق سعد الصغير صعوداً سريعاً مع الراقصة دينا في فيلمهما الغنائي “عليّ الطرب بالتلاتة” قبل أن يخفق في فيلمه الجديد “قصة الحي الشعبي” مع نيكول سابا. أما هاني رمزي وفيلمه الكوميدي “ظاظا رئيس جمهورية”، فاستقر عند رقمه المعتاد (خمسة ملايين جنيه). وحقّق “فتح عينيك” لمصطفى شعبان إيرادات متوسطة، فيما يتوقع لفيلم بوليسي آخر هو “الرهينة” أن يحقق إيرادات جيدة. ويتناول الشريط الذي أخرجته المخرجة ساندرا نشأت قصة عالم مصري اختُطف في أوكرانيا لمصلحة منظمات إرهابية.
حفل الموسم السينمائي في عام 2006 بمفاجأتين. الأولى كانت لفيلم “أوقات فراغ” الذي حقق ما يزيد على خمسة ملايين جنيه، على الرغم من أن كل العاملين فيه من الوجوه الجديدة. ودفع نجاح المغامرة التي قام بها المنتج العريق حسين القلا، شركات إنتاج عدة الى التفكير في تقليدها، ومنها شركة “جرجس فوزي” التي أنتجت فيلم “استغماية” وهو الأول للمخرج عماد البهات. وسيعرض في نهاية كانون الثاني. أما مفاجأة الموسم الثانية فهي فشل فيلم “حليم” للمخرج شريف عرفة، وهو آخر أفلام الراحل أحمد زكي. لم يحقق الفيلم النجاح المرجو، على الرغم من الموازنة الكبيرة التي خصصها المنتج، أي شركة “غود نيوز” لصاحبها الإعلامي عماد أديب، وهو نفسه منتج “عمارة يعقوبيان”.
ومن مفارقات العام أن مؤلفاً واحداً هو بلال فضل، كتب سيناريو خمسة أفلام هي “حاحا وتفاحة” و“واحد من الناس” و“وش إجرام” و“عودة الندلة” وأخيراً “في محطة مصر” الذي يعرض حالياً في الصالات المصريّة، من إخراج أحمد جلال وبطولة كريم عبد العزيز ومنة شلبي. وتدور أحداث الفيلم، في إطار رومانسي كوميدي، حول مندوب المبيعات الذي يقابل فتاة راقية ويقع في حبها، وتضطر هي إلى الادعاء أنه زوجها أمام الأقارب.
أما أفلام الموسم الفاشلة ــ “تجارياً” على الأقل ــ فهي “دم الغزال” لنور الشريف ومنى زكي، “ملك وكتابة” لمحمود حميدة وهند صبري. والمفارقة أن الفيلمين حصدا إعجاب النقاد على عكس “الغواص” و“عبده مواسم” و“ما تيجي نرقص” و“الفرقة 16 إجرام”، وهي أفلام نبذها النقاد والجمهور معاً. فيما لم يحقق فيلم “دنيا” للمخرجة جوسلين صعب أكثر من 400 ألف جنيه مع نهاية أسبوعه الثاني. وهو يمثل انحداراً جديداً لنجمته حنان ترك التي حققت في بداية العام ثلاثة ملايين جنيه مع فيلمها “منتهى اللذة”. وربما تعوض مع فيلمها الجديد “قص ولزق” الذي سيبدأ عرضه بعد أسبوعين.
وتميز عام 2006 بصراع احتدم بين أكبر جهتي إنتاج وتوزيع في مصر، هما “الشركة العربية” من جهة و“تجمع الفن السابع” من جهة أخرى. ووصل الأمر الى رفض كل منهما توزيع أفلام أنتجها الآخر، أو حتى مجرّد عرضها في الصالات التي يمتلكها. وهو ما أثّر في الإيرادات المتوقعة على الرغم من ارتفاعها. لكن التأثير الكبير، سيكون في الموسم الصيفي المقبل، إذا بقيت الخصومة مستمرّة حتى ذلك الوقت.