عبد الغني طليس
لم يُعرف عن وائل كفوري انه “يخطط” لمشاريعه الفنية. يترك أغلب شؤونه للمصادفة، لكن مع حرصه على التلوين في أغانيه والتشديد على ذلك في كل جديد يقدمه. من بدايته مع الملحن سمير صفير الى “نهايته” مع طارق ابو جودة مروراً ببعض الملحنين الآخرين، حرص كفوري على اختيار اكثر من نمط غنائي رائج. وكان يوفّق في مسعاه، مع اختلاف “الهويات” الفنية لهؤلاء المحلنين. وهذا يكشف أن صوته قادر على اكتساب صور مختلفة مع اختلاف مصادر الالحان، ولم يؤثر ذلك التنوع سلباً في صورته مغنّياً، بل عززها ورسخها بقوة.
يعتقد بعض الفنانين ان كثرة الالوان الغنائية تفسد للودّ قضية مع الجمهور. ويعللون هذا الاعتقاد الخاطئ بأن الجمهور كثيراً ما يربط المغني بلون معين، لذا يطلب منه شبيهاً به أو قريباً منه. أما الواقع فهو عكس ذلك تماماً. اذ إن تركيز المغني على أعمال متشابهة يفقد الجمهور حسّ المفاجأة تجاهه. والأغنية التي تنجح في الوصول الى الناس لأنها مبنية على فكرة ما في النص واللحن والاداء، وعلى تركيبة “محببة” من التوزيع الموسيقي، ليست بالضرورة خطاً بيانياً ينبغي اتباعه الى أمد بعيد. لأن من شأن ذلك ان يوقع المغني في التكرار، والمغنون والمغنيات الذين اصطدموا بهذا الجدار كثرٌ... اعتمد وائل كفوري، من بداية احترافه، التنويع طريقاً. كسرت أغنيته الأولى “ما وعدتك بنجوم الليل” كل الحدود التي يمكن ان تفصل صوتاً عن الجمهور. ومع ذلك، طرق صاحبها الذي أنشد بعدها أغنيتين أو ثلاث أغانٍ من النمط نفسه، بسرعة أبواباً أخرى، وحقق من خلالها حضوراً جيداً. ومنذ ذلك الوقت، وهمّ التجريب في رأس وائل يلحّ عليه وينصاع له، فيكمل طريقه بنجاح...
يكاد وائل كفوري أن يكون أبرز المغنين الشباب القادرين على اداء العتابا والمواويل، ويكاد يكون الابرز أيضاً في اداء الاغنية العاطفية الرومانسية الحديثة. واذا كانت المواويل تتطلب مساحات صوتية واسعة وطاقات في الصعود والهبوط («القرار والجواب» باللغة والموسيقية»)، وهذا ما يملكه وائل بطلاقة حقيقية، فإن الاغنية الرومانسية تتطلب الحميمية والدفء والهدوء والرقة والعذوبة والاحساس، وهذا ما يملكه وائل ايضاً. لكنه اتجه في الآونة الأخيرة إلى هذا النوع من الغناء، ونسي الموال وحتى الاغاني القريبة من الفولكلور، الأمر الذي ترك فراغاً بدأ يظهر تدريجاً في نتاجه. قد يكون توجه الجمهور الى الاغنية الرومانسية عموماً، هو الذي حدد مسار وائل في نتاجه الغنائي الاخير، وربما اكتشافه قدرات عاطفية “هادئة” كامنة في صوته شجعه على هذا المسار، لكن الاستسلام لهذا الامر يمكن أن يشكل تأطيراً لامكاناته في خط دون غيره، وتالياً دخوله في روتين تفاداه حتى اليوم... يجب أن يبقي وائل عيناً على اللون “البلدي” اللبناني، وأخرى على العصري حتى يحفظ نفسه.