القاهرة ــ محمد محمود
الإخوان المسلمون قادمون... إلى الساحة الفنية،
وعلى الجميع أن يستعد داخل مصر وخارجها! في عزّ حملة الاعتقالات التي يتعرضون لها، وجدوا وقتاً لممارسة هواية قديمة متجددة: الفنّ أو كيف نحاصره ونتخلص منه، بداعي الدفاع عن الأخلاق


فيما تشهد مصر أوسع حملة اعتقالات ضدّ جماعة الإخوان المسلمين، وبعدما شنّ الرئيس حسني مبارك قبل أيام هجوماً غير مسبوق ضدّ من اعتبرهم “خطراً” على البلاد، تفاجأ المتابعون للوسط الفني بإهمال هؤلاء معركتهم السياسية، وانصرافهم أخيراً لمهاجمة... الأعمال الفنية. إذ قدّم محسن راضي، نائب الإخوان المتخصص في الشؤون الفنية، طلب إحاطة لفيلم “الرهينة” الذي استقبلته دور العرض في موسم عيد الأضحى. واعتبر راضي أن الفيلم يسيء في شكل مباشر إلى الجماعة، ويعتبرها سبباً بتفشي مشكلات كثيرة في المجتمع، وخصوصاً أنه يناقش ظاهرة هجرة الشباب المصري العشوائية إلى أوروبا، والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين هناك. ويروي الفيلم الذي صوّر في أوكرانيا قصة عالم ذرة مصري (مسيحي)، حاصد جائزة نوبل، يعـــــــــيش في عاصمة أوروبية، وينقذه شاب (مسلم) بعد خطفه من قبل إحدى العصابات.
وفيما أعلنت الجماعة قبل يومين إعدادها أوراق حزب سياسي للمرة الأولى منذ إنشائها قبل حوالى 75 سنة، تضمّن طلب الإحاطة المذكورة مؤشراً يثير الريبة: اقتراح الجماعة تشديد الرقابة على الأفلام السينمائية، وخضوع الأعمال الدرامية من الآن فصاعداً إلى أكثر من لجنة رقابة، حتى لا تكون سبباً في إشعال الفتنة داخل المجتمع الواحد. وعزا راضي طلبه إلى ان الرقابة الرسمية “قد تجيز عرض الفيلم لخلوه من المخالفات التي ينص عليها القانون، لكن مضمونه قد يحمل أفكاراً تتعارض في المقام الأول مع مفاهيم رجال الدين”.
وفي اتصال مع “الأخبار”، ردّ نادر صلاح الدين الذي كتب سيناريو “الرهينة” على هذه الاتهامات، مشيراً إلى أن مجلس الشعب “ليس منبراً تناقش فيه شؤون الفن. إنما يتمثل دوره الأساسي في معالجة قضايا السياسة والاقتصاد”. وأكد ان الفيلم لا يوجّه رسالة ضدّ الإخوان المسلمين الذين “اعتادوا مهاجمة أعمال فنية لم يشاهدوها أساساً، وأن ردات فعلهم تتشكّل عادة بعد سماعهم أقاويل تطلق هنا وهناك، أو قراءتهم مقالة صحافية لا ترتكز على الأدلة”.
لكن الإخوان قرروا إحكام قبضتهم على الفن، معلنين ضرورة متابعتهم النشاطات الفنية كافة، والتشدّد في منع الأغنيات الهابطة وكليبات العري... وبعدما كان نشاط نوابهم في السنوات السابقة يقتصر على مراقبة بعض الكتب والإصدارات الثقافية، ساعد تصاعد نفوذهم في مجلس الشعب، واحتلال 88 من عناصرهم مقاعد نيابية، على توسيع الرقابة على النشاط الفني، ودعم ما يريدون من أنشطة في الوقت نفسه. هم يسعون لإنتاج عمل درامي عن مؤسس الجماعة حسن البنا (وكانت شخصيته قد ظهرت في مسلسل “العندليب” الذي عرض في رمضان الماضي، ما أثار حفيطة الجماعة). وأشادوا بتجربة مسرحية “إرفع إيدك” التي تخلو من الممثلات ومن الموسيقى، ويبدأ عرضها في 20 كانون الثاني الجاري. وعلى رغم أن قيادات الجماعة أعلنت منذ انتصارها البرلماني أنها ليست ضد حرية التعبير، وبعدما زار أحد أعضائها الأديب الراحل نجيب محفوظ الذي طاردوه طويلاً، جاء طلب الإحاطة الأخير (بعد سلسلة من الدعاوى التي رفعوها على أكثر من مسلسل وفيلم)، ليضرب بشعاراتهم عرض الحائط. وتزامناً مع قضية “الرهينة”، اضطر خالد يوسف، مخرج “خيانة مشروعة”، إلى تغيير عنوان فيلمه بعد الضغط الذي تعرّض له من نواب الإخوان. وكان المخرج، اليساري الهوى، قد وجّه دعوة إلى مرشد الإخوان لحضور عرض فيلمه السابق “ويجا”، بعدما أكد المرشد مهدي عاكف أن الإخوان ليسوا ضد السينما. غير أن يوسف لم يتلق رداً على دعوته حتى اليوم.
الجماعة “طاردت” أكثر من فيلم في الآونة الأخيرة. إذ تقدم النائب محسن راضي أيضاً في رمضان بطلب إحاطة لوزير الثقافة فاروق حسني، يدعو فيه إلى إغلاق جميع دور السينما خلال شهر الصوم. ووصف راضي السينما بـ“الفاسدة لا يصح أن تظل مفتوحة في ليالي الشهر الكريم”. وتقدم بطلب آخر قال فيه إن الدولة تهدر 750 ألف جنيه سنوياً على “مهرجان الإسكندرية السينمائي” الذي وصفه بـ“مهرجان الإسكندرية للتصييف العائلي”. وانتقد فيلم “لعبة الحب” الذي رآه ينتصر للانحراف واللامبالاة والعلاقات غير الشرعية تحت شعار الحرية. ولم تنج المسلسلات التلفزيونية من مصيدة الإخوان، وكان آخرها “نور الصباح” لليلى علوي الذي اتهم بالدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل. وانشغلوا أيضاً بالمغنيات اللبنانيات مثل نيكول سابا ودوللي شاهين وغيرهما، وطالبوا بمنعهن من إحياء حفلات العيد “الماجنة” في مصر.
وبين الإخوان والفنانين، تقف الجهات الرسمية (حتى الآن؟) على الحياد في معظم الأوقات ثم تسمح بعرض العمل الفني بعد مرور وقت التهدئة اللازم. لكن هؤلاء وجدوا أخيراً من يساندهم في قضاياهم ضدّ الفن. إذ شاركهم نواب من الحزب الوطني الحاكم في هجومهم على تصريحات وزير الثقافة ضدّ الحجاب. أضف إلى ذلك أن تعرّض فيلم “عمارة يعقوبيان” لمحاكمة برلمانية، بعد دعوى رفعها نائب ناصري و112 من زملائه (يتقدمهم نواب الإخوان طبعاً)، بسبب جرأة الفيلم، أثار جملة من التساؤلات. وهو ما دفع أسرة العمل إلى نشر بيان في الصحف القومية، يناشدون فيه الرئيس مبارك بالتدخل لعدم صدور أي قرwمحكمة. أما في المسرح، فقد شنّ نور الشريف، أول من أمس، هجوماً ضدّ التطرف الديني الذي “حاصر الجامعات في السنوات الماضية”، في ندوة أقامها على هامش “مهرجان الشباب المبدع للمسرح”. واعتبر الشريف ان هذا التطرّف أدى إلى نهاية المسرح الجامعي الذي خرج منه نجوم الستينيات بدءاً من فؤاد المهندس وصولاً إلى عادل إمام.
فيما تستمر ظاهرة هجوم الإخوان على الفن، وخصوصاً السينما، ومع تزايد رغبة المنتجين والمخرجين في تقديم مواضيع مثيرة للجدل، يبقى السؤال: هل يتجرّع نواب الإخوان الكأس نفسها إذا نجحوا في تقديم فيلم عن حسن البنا، فيعترض نواب التيارات الأخرى على ترويجه للعنف والتطرف، ويطالبون بالتالي بمنعه من العرض؟ كيف لا وقد اتهم النقاد المؤلف وحيد حامد (كاتب فيلم “دم الغزال”) بمساعدة الإخوان على الانتصار في البرلمان بسبب مبالغاته في نقد ظاهرة التطرف الديني في أعماله.