رنا حايك
من كان يتوقع أنّ يكسب “نادي لكل الناس” رهانه، فينتقل من تنظيم الفاعليات الثقافية إلى مرحلة الإنتاج السينمائي؟ منذ تأسيسه عام 1998، على يد مجموعة أصدقاء يسكنهم الهمّ الثقافي، واجه هذا “النادي” مصاعب جمّة في مسيرته لتعزيز حضور السينما اللبنانية وأرشفتها. يتذكر نجا الأشقر، رئيس هيئته الإدارية، كيف بدأ الموضوع “مزحة”. وبعد توالي الندوات والتظاهرات الثقافية والعروض السينمائية في جمعية “الصداقة اللبنانية السوفياتية”، وفي “المجلس الثقافي الروسي”، و“المجلس الثقافي للبنان الجنوبي”، حقق “النادي” إنجازاً مهماً. كان ذلك عام 1999 حين عرض النسخة الأصليّة من فيلم سمير حبشي “الحصار”، أي مع المشاهد التي حذفتها الرقابة في العروض التجاريّة.
الخطوة التالية أتخذت أبعاداً ثقافية أوسع على مستوى المدينة وذاكرتها الثقافيّة: حين بادر “نادي لكل الناس” إلى تنظيم “أيام مارون بغدادي” في الذكرى العاشرة لرحيله، كانت المرحلة تتسم بحال من فقدان الذاكرة في لبنان. هكذا تعرّف جيل جديد إلى أعمال هذا المخرج الذي نساه الجمهور، وبات غريباً عن الشباب، لأن أفلامه لم تعرض في بيروت منذ سنوات. حظيت أفلام بغدادي بإقبال هائل، وتفاعل الجمهور مع النادي الذي نظّم عروضاً في جميع فروع الجامعة اللبنانية، وعدد كبير من النوادي في مختلف المناطق اللبنانية. اليوم صارت مغامرة البدايات مؤسسة حقيقية، وبات النادي يخضع لإشراف هيئته الإدارية (20 شخصاً) تنقسم إلى لجان الموسيقى والمسرح والسينما. بينما اتسعت قاعدة الأصدقاء الذين يساهمون في تمويل النشاطات بإقبالهم عليها.
بعد إقفال “مسرح بيروت” و“مسرح المدينة” (الأول)، دخل “نادي لكل الناس” في مرحلة جديدة من المصاعب. وبعد ثلاثة أعوام من عدم الاستقرار، ما زالت عزيمة أعضائه على حالها. تحوّل النادي إلى مؤسسة بعد حصوله على “العلم والخبر”، واحتفى بالعديد من رموز المسرح والسينما والأدب: سعد الله ونوس وأحمد فؤاد نجم وغسان كنفاني وجوزيف صقر ومروان عبادو...
الرهان الأساسي لهذا المشروع الثقافي هو “عدم تلميع الرموز على حساب الناس”، بتعبير نجا الأشقر. الأولويّة هي لإشراك الجمهور، وفتح مجالات التفاعل الإبداعي أمام أفراد من خارج دائرة التكريس. والنادي يطمح إلى فرد مساحة واسعة لإنتاج الشباب اللبناني والطلاب من مختلف الجامعات اللبنانية، لذا يعرض مثلاً في حفلة اختتام نشاطه السنوي، أفلام التخرج التي ينتجها طلاب الجامعات والأكاديميات الفنية في لبنان... كما يقيم معرضاً لطلاب الفنون التشكيلية.
واليوم يدخل المشروع مرحلة جديدة من النشاط الثقافي، قوامها الإنتاج الفني. في البداية شارك في إنتاج الطبعة الثانية من ألبوم “الجيل الجديد” للفنانة اللبنانية تانيا صالح. ثم أصدر أفلام المخرج اللبناني برهان علوية على أقراص “دي.في.دي”، ويتولّى الآن تسويقها. والنادي بصدد التعاون مع المخرج جان شمعون لإنتاج فيلمه الجديد. ويفكّر في استحداث جائزة لـ“مهرجان أفلام التخرج لطلاب السينما”، تكون على شكل منحة إنتاج يحظى بها أفضل فيلم. كما يحاول النادي إعادة تنشيط عروضه السينمائية من خلال مشروع وافقت عليه وزارة الثقافة، لكنه ما زال عالقاً في درج وزارة المالية. بموجب هذا المشروع، يقدم النادي أفلاماً عالمية طويلة ــ غير تجارية ــ تعرض بشكل منتظم (فيلم كل أسبوعين)، ويبدأ كل عرض بشريط قصير، على أن يحظى النادي بدعم وزارة الثقافة، مستفيداً من علاقاتها مع السفارات الأجنبية في لبنان. ومع تطور التجربة ونضوجها، لا بدّ من التأكيد على ضرورة تعاون النادي مع المؤسسات والتجارب المماثلة التي سبقته في بيروت، وأثبتت حضورها عربياً وعالمياً... فالمشروع الثقافي الريادي يكون جماعياً أو لا يكون!

www.nadilekolnass.org