صباح أيوب
فيما كانت شوارع المدن اللبنانية تشهد أمس اشتباكات دامية بين المواطنين، خاضت المحطات المحلية حرباً إعلامية شرسة، أسهمت إلى حدّ ما في إذكاء روح الفتنة بين الأطراف المتناحرة. في يوم الإضراب العام، قبع المواطن الذي بقي في منزله (بغض النظر عن تأييده لهذا التحرّك أم لا)، أمام شاشة التلفزيون. كان يبحث عن صور تنقل إليه مَشاهد الشوارع الخالية والطرقات المقطوعة بالإطارات المشتعلة، والانتشار الكثيف لعناصر الجيش، تدعو المتوجهين لأعمالهم إلى العودة، بسبب تعذّر الانتقال من منطقة إلى أخرى. كما كان ينتظر بفارغ الصبر نشرات الأخبار المفصّلة، ليستمع إلى تحليلات سياسيين، اعتادوا احتلال الشاشة في وقت الأزمات.
الا أن هذا المشاهد لم يجد ضالته على التلفزيون. فالمحطات اللبنانية غرقت في “شبر ماء”، وأصبح الارتباك سيد الموقف. وعلى رغم تقنيات البثّ المباشر وطاقم المراسلين القادرين على “الإمساك” بزمام الأمور من شمال لبنان إلى جنوبه، تضاربت المعلومات التي نقلتها كل من “أل بي سي” و“نيو تي في” و“المستقبل”، فاختلف عدد الجرحى وتفاصيل الحوادث الأمنية بين هذه الشاشة وتلك. وكالعادة، تحولت الاستديوهات إلى منابر لإطلاق المواقف السياسية، وفُتح الهواء لتراشق الاتهامات وتعميم الشائعات.
في ساعات الصباح، بدأت المواجهة بين مناصري التيار الوطني الحرّ وعناصر من القوّات اللبنانية في منطقة كسروان. كانت “ال بي سي” السبّاقة في نقل الحدث، لكن وليد عبود (مقدم الفقرة الصباحية على القناة) لم يهتمّ بالقصة. كان مشغولاً بمحاورة سمير جعجع ثم سليمان فرنجية عن “الانقلاب” و“انشقاق الصف المسيحي”، واتهام الجيش بـ “التواطؤ مع المعارضة” ودعمه لطرف معين. وما إن وقعت الواقعة وبدأت الاشتباكات بين طرفي النزاع، وأطلق الجيش اللبناني الرصاص في الهواء، حتى انصرف عبود إلى التساؤل عن الجهة التي بدأت بالاعتداء، وسبب عدم تدخّل الجيش لمنع ذلك.
أما تلفزيون “المستقبل”، فكان يصرّ منذ الصباح على نقل صورة “الحياة الطبيعية في شوارع بيروت”، وانهماك التجار بفتح محالهم. وأكد مراسلو القناة مراراً فشل “الانقلاب السوري ــ الإيراني الذي تنفذه قوى الثامن من آذار”، وتسابقوا إلى نقل أعداد القتلى والجرحى (حتى قبل وقوع الاشتباكات). وكانوا أول الوافدين إلى مستشفيات صيدا وبيروت لرصد غضب الناس، حتى لو تضمنت تصريحاتهم بعض الشتائم، فهذه ضريبة البثّ الحيّ!
على شاشة “نيو تي في” كان الوضع مختلفاً. شغلت مقدمة الاستديو كاترين حنا بتحليلات ضيوفها واستقبال اتصالات المسؤولين، حتى إنها تجاهلت ما كانت تنقله الكاميرا في النافذة الأخرى من اشتباكات، لم نعلم أين حصلت وإن كانت مباشرة أم لا... “هناك قصة لسنا واثقين منها”، “هناك خبر غير مؤكد”، “لدي معلومات على ذمة راويها”... عبارات كرّرها المراسلون طوال اليوم. وما زاد من ضياع المشاهد هو إعادة بث مشاهد الاشتباكات، علماً بأن اشارة “مباشر” رافقت جميع الفقرات التي عرضتها هذه القنوات.
لم تكن الكاميرا بطلة الحدث أمس. إذ لم يسمح لها مراسلو القنوات اللبنانية بتأدية دورها، فابتعدت تغطيتهم عن الحدّ الأدنى من الحياد والموضوعية.