بيار أبي صعب
تدخل مارلين جلاّد إلى مكتبك كأنّها الإعصار. وحدها تختزن حيويّة جيل كامل، ورغبته في الحياة. تتكلّم طويلاً، فتعبر الصور في شريط طويل: إنها قصتها، لا تعرف إلا أن ترويها وتعيد روايتها. إنّها ملحمة جيلها، بكامل لحظاتها البطوليّة، وأوهامها، وأوجاعها، وحيرتها المديدة، بحثاً عن وطن...
لا يهم من أي موقع تُروى الأحداث. إنه موقع أسرتها وبيئتها وطبقتها الاجتماعيّة... باللغة الفرنسية غالباً، ومن الأشرفيّة... ومع ذلك هناك صورة لا تفارقها: صورة جدها الذي بقي ممسكاً بحقيبته حتى أغمض عينيه... يريد أن يعود إلى بلاده، إلى يافا. أهدته واحدة من أجمل أغنيات أسطوانتها الأولى “الغياب” وقعتها باسم Marilyne G. لأن مارلين تغنّي أيضاً، بالفرنسيّة طبعاً. علماً بأن روايتها الأولى «اللحظة الصادمة» («دار النهار»)، مكتوبة منذ سنوات في قلب ما تعتبره هي معركة الحرية. ولا شك في أنها صادقة، من وجهة نظرها. كل جيل يحتاج إلى أسطورة. ومارلين جلاّد تخترع أسطورتها وتعيشها. بالنزق نفسه، وبكثير من الانفعال والصخب. روايتها تنضح بنظرة مثالية إلى العالم، إلى السياسة. سذاجتها تشفع لها؟ الذي يأسرك هو أسلوبها المتوتّر، الغاضب، الرقيق. لغتها الهادرة. ليت هذه الشابة تكتب يوماً بالعربيّة... ليتها تكتشف المقلب الآخر من الحقيقة.
حين تقرأ مارلين جلاّد، كأنّك ما زلت تستمع إليها في لقائكما الأول. تريد أن تقول كلّ شيء في رواية واحدة، في جملة واحدة. في ثورة واحدة (ثورة الأرز طبعاً!). محاولتها الأدبيّة التي تريدها «رواية جيل»، تنبض، قبل أي اعتبار آخر، بإرادة الحياة. جيل تعب من الحروب؟ لحظة كتابة هذه السطور، نتفرّج على صور العنف الأهلي على التلفزيون. لقد انطلق من الجامعة. للأسف مارلين، لا أعرف كيف ستصل هذه السطور غداً إلى القارئ. رواية الجيل... كتابتها مستمرّة!