بيار أبي صعب
ميشال أونفري مفكّر تخريبي بامتياز. ليس فقط لكونه أخرج الفلسفة من العالم المجرّد إلى مختبر الحياة... ولا لأنه أعادها إلى مراجع كادت تنقطع عنها مختلف المدارس والاتجاهات الغربيّة المعاصرة، من ديوجين (المدرسة الكلبيّة Cynisme) إلى أبيكور (المدرسة الابيكوريّة Epicurisme)... بل بشكل أساسي لأنّه شرّع الممارسة النظريّة على أدوات معرفيّة شتّى، من دونها تبقى مجرّد رياضة ذهنيّة منقطعة عن الوجود: علم النفس التحليلي، وعلم الاجتماع، وسائر العلوم الوضعيّة... فالفيلسوف يفكّر استناداً إلى الأدوات المعرفيّة المتوافرة له، يقول أونفري، وإلا فإن فكره يندرج خارج الواقع. كتاباته تحتفي بالمتعويّة، بالحواس، بالإلحاد، وتعطي الصدارة للفيلسوف ــ الفنّان، مبدع وجوده، انطلاقاً من تواشج التفكير والحياة. بالنسبة إليه السعادة مشروع اللحظة الراهنة بامتياز، تبنى يوماً بعد آخر عن طريق عمليّة سعي صبور إلى «نحت الذات» (عنوان كتاب له، صدر العام 1991). و«نحت الذات» يقتضي خيارات في كل المجالات: الفلسفيّة طبعاً، وأيضاً الجماليّة والسياسيّة... والغذائيّة. إنّه يدعو إلى فنّ حياة قوامه المتعويّة التي تستند إلى تجارب الوجود، وثقافة الفنون والمعرفة، والامتلاء واللذة والعلاقة بالذات وبالآخر... أما أشكال الاستلاب و«الألم»، فمرتبطة في نظره بالأديان وبالدوغمائيات السياسية والاقتصاديّة.
وميشال أونفري يجد نفسه وريثاً لنيتشه وماركس وفرويد. عن الأوّل أخذ نظرته للغرب والأخلاق، ونقده الجوهري للفكر المسيحي. وعن الثاني تحكّم البنى التحتيّة (الاقتصاديّة) بالبنى الفوقيّة (الأيديولوجيّة). ومن الثالث احتفظ بالأدوات التحليلية للمجتمع في علاقته بـ«نزعة الموت» و«الإحساس بالذنب». فمن يقل «المتعة»، يقل حكماً التمرّد والعصيان والتجاوز...