بيار أبي صعب
كفانا سخفاً! يصعب إيجاد كلمة ألطف من “السخف”، أو مفردة أكثر اعتدالاً وتحفظاً، لنعت كل الخطابات والمشاريع “العلمية” البليدة التي تسعى، في العالمين العربي والاسلامي، إلى التشكيك في حقيقة المحرقة النازية. والمؤتمر الذي ينعقد في إيران، يومي 11 و12 من الشهر الجاري، للبحث في هذه “الأسطورة” ــــــ حسب الخطاب الرسمي ــــــ لا يشذ عن القاعدة. ستون “باحثاً وجامعيّاً” من ثلاثين بلداً، تنتظرهم طهران ــــــ حسب وزير الخارجيّة الايراني منوشهر محمّدي ــــــ للمشاركة في هذا المؤتمر العالمي، للتداول حول إبادة اليهود خلال الحرب العالميّة الثانية. لكن السيّد محمّدي طمأننا، مشكوراً، خلال مؤتمره الصحافي في العاصمة الايرانيّة أول من أمس، إلى أن المؤتمر المذكور لن ينطلق من «أية أفكار مسبقة» في دراسة المحرقة.
ذات يوم صرّح الشاعر الفلسطيني محمود درويش، أيام أوسلو: «قد نفاوض ــــــ مكرهين ــــــ على الجغرافيا، لكننا لن تقبل يوماً بالمساومة على التاريخ». كل الطغاة يريدون إعادة كتابة التاريخ على هواهم، لإضفاء الشرعية على الجرائم المقبلة. وبهذا المعنى فإن «التحريفيين» إذ يشكّكون في الـ«هولوكوست»، إنما يرتكبون جريمة مزدوجة: شتم ذاكرة الضحايا وأبنائهم، والتمهيد لكل العنصريات المقبلة. وهذه المعركة لا تشرفنا نحن العرب. إنها لا تتناسب أولاً مع انحيازنا المطلق للعدالة والشهادة للحق، حتى ولو كان عدوّنا الصهيوني البشع قادراً بآلته الفظيعة، على تجيير هذا الحق، لتغطية جرائمه وتبريرها. ولا تتناسب بعد ذلك مع مصلحتنا السياسية: نحن نخوض ضدّ الكاوبوي المتغطرس حرباً سياسية دفاعاً عن حقنا وعن القيم الانسانية، لا حرباً عرقية أو دينية أو عصبية. وهذا يضعنا في موقع متضامن مع كل ضحايا المجازر في أي مكان وزمان. والملايين الذين اقتيدوا بهمجية إلى المحرقة، إلى معسكرات الموت النازية وغرف الغاز، تنفيذاً لسياسة «الحلّ النهائي» ــــــ كما هو مثبت تاريخياً (لن نعود الى هذا النقاش الأبله) ــــــ هم أهلنا وشهداؤنا أيضاً.
فليسمح لنا «علماء» آخر زمان... وليبتعدوا عنا. لا نريد لأحد أن يلوّث عدالة قضيتنا ونصاعة مقاومينا.