نادر فوز
افتتح مؤتمر «الصحافة تحت الحصار» الذي ينظمه «الاتحاد العالمي للصحف» بتحيّة عارمة إلى الشهيد جبران تويني في ذكرى اغتياله. والاحتفال الذي تخللته خطابات وشهادات، تحوّل مهرجاناً سياسياً ضد المعارضة

كان من المفروض أن يكون المؤتمر الذي أطلقه «الاتحاد العالمي للصحف» (WAN) في بيروت أمس، عشية الذكرى الأولى لاغتيال جبران التويني، مناسبة للاحتفاء برجل القلم الذي سقط شهيداً على مذبح الكلمة، وللدفاع عن حرية التعبير في لبنان والعالم العربي، في أكثر معاني الكلمة شمولية. وحرية التعبير قضيّة مقدّسة تهم جميع اللبنانيين، مهما كان اختلفت انتماءاتهم الفكرية والسياسيّة. لكن افتتاح مؤتمر “الصحافة تحت الحصار” في مركز «بيال» وسط بيروت، لتكريم جبران تويني وتسليم جائزته السنوية، اكتسى طابع مهرجان سياسي محلّي، تقيمه فئة من اللبنانيين ضدّ فئة أخرى. وإذا كان الأمر طبيعياً في إطار الظرف السياسي الراهن في لبنان، وفي النظر إلى الجرح الكبير الذي خلفه اغتيال رئيس مجلس إدارة “النهار”، فإن تورّط منظمة دولية من المفروض أنها تمثل كلّ الصحافة العالميّة في الأونيسكو ولدى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في الصراع الداخلي اللبناني... يبقى، هو، موضع تساؤل.
وفيما نظم المؤتمر لمناقشة قضايا حرية الإعلام، وتقييد معظم الأنظمة السياسية للصحافة العريبة، تحولت حفلة التكريم إلى مناسبة “سياسية”، واقتحم الراهن المتفجّر طقوس الاحتفال. وعنوان المؤتمر وحده يستحق نقاشاً معمّقاً: أية صحافة؟ وأي حصار؟ وهل يشمل مفهوم “الحصار” وصاية الأمر الواقع التي تفرضها بعض الأنظمة العربيّة على معظم وسائل الإعلام في العالم العربيافتتح المؤتمر بعبارة طالما رددها الشهيد تويني: “سيظل كل صحافي يكتب حتى آخر نقطة حبر في قلبه...”. وبعد النشيد الوطني اللبناني، ودقيقة الصمت عن روح الشهيد بيار الجميّل، أعلن عريف الاحتفال الصحافي وليد عبود بدء المؤتمر. وألقيت كلمات ذكّرت بمزايا الشهيد، وحبه للديموقراطية وتشبّثه بتحرير الوطن، وإيمانه بدور الشباب في التغيير. ورأى تيموتي بالدينغ، رئيس مجلس إدارة “الاتحاد العالمي للصحف” أن “شهيدي الصحافة جبران تويني وسمير قصير والشهيدة الحية مي شدياق دفعوا ثمناً كبيراً للحرية وحرية التعبير”. ثم عُرض وثائقي عن الراحل وحياته وخياراته السياسية. أما نايلة تويني، ابنة الشهيد، فلم تكتف باستعادة ذكرى أبيها وغيابه المفجع وجريمة اغتياله الهمجيّة، بل قالت كلاماً كبيراً عن “الانقلاب” الذي يحدث في الشارع “لمنع قيام المحكمة الدولية”، ويهدف لإعادة لبنان “إلى عهد الوصاية وجعله مرتبطاً بمحاور خارجية”. وبثّت كلمة مصوّرة للكاتب في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان. ثم أعلن عن حكومة الظل التي طالما نادى بها التويني، ووجه أمين عام تلك الحكومة عياد واكيم رسالة إلى الرأي العام. وقال دايفيد اغناسيوس من “واشنطن بوست” عن جبران تويني: “إن أشخاصاً مثل آل تويني الذين يرفضون الخوف والخضوع يجب أن يكونوا لنا مصدر إلهام... والأميركيون يجب أن يفخروا بصداقتهم”. ورأى مدير عام قناة «العربية» عبد الرحمن الراشد «أن جبران ليس الصحافي الوحيد الذي دفع ثمن الحبر دماً، لكنه الصحافي العربي الوحيد الذي غير تاريخ بلاده بقلمه...».
أما غسان تويني، فأكد على موقفه الحيادي الرافض للتخوين، وختم كلمته داعياً الإعلاميين إلى العودة إلى الصحافة الرسولية. ثم أدى غسان صليبا أغنيتي “وطني بيعرفني” و“كان العمر بأوّلو” لمنصور وأسامة الرحباني. وجاء دور الرئيس السنيورة الذي ألقى كلمة من مقر إقامته المؤقتة في السرايا. وأشار فيها إلى أنّ يده ممدودة للجميع، وأنّ الأبواب مفتوحة للحوار.
وأعلن الرئيس السابق لاتحاد الصحف العالمية روجير بارسكون عن تسليم جائزة جبران تويني الدولية السنوية الاولى للصحافية اليمنية ناديا السقاف التي تعمل من اجل تحديث الصحافة في بلادها، وتحفيز مواقع النساء فيها. وخرج حضور “بيال” لتطالعهم هتافات “الاعتصام الانقلابي”، والحشود الزاحفة إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح.
وناقش المؤتمر الذي يختتم هذا المساء، الأخطار التي يتعرض لها الصحافيون العرب. وتتمحور جلسات اليوم حول الرقابة التي تفرضها الأنظمة، والرقابة الذاتية، وسبل تحقيق الاستقلالية المالية للصحف.