أمل نصر
في البدء، شكـلت العلوم صنفاً واحداً... الى أن ظهر أبقراط. هذا العالم الإغـريقي الذي يعتبر أبا الطب، إليه يعود الفضل في فصل الطب عن الفلسفة والدين. وكان أبرز ما جاء به أبقراط هو تحديد الأعراض التي تترافق مع الأمراض. هو الذي قال: “إن الطبيعة ــ أي قوى الجسم وبنيته ــ هي أهم علاج لكل مرض مهما كان نوعه”. هكذا، نرى أن الطريقة الأبقراطية لا تستخدم العــقاقير في العلاج. ومن هنا انطلق كلوت بك في كتابه “بواكير الطب الحديث: كنوز الصحة ويواقيت المنحة” الذي جاء كتاباً شاملاً كُتب بأسـلوب سهل للقارئ والطبيب في آن. وهذا ما دفع “دار الفارابي” الى إصـــــــــــداره في نسخة منقّحة من الكتاب المرجعي، حقــــــــقتها أميمة فؤاد زهر الدين وأضاف إليها الدكتور يوسف معروف زهر الدين شروحاته.
وكلوت بك طبيب فرنسي ولد عام 1793، قضى معظم حياته في مصر بعدما عهد إليه محمد علي تنظيم الإدارة الصحية للجيش المصري، وصار رئيس أطباء الجيش. نال لقب “البك” تقديراً لجهوده ومثابرته في عصر اعتبر الأكثر انفتاحاً. وقد شملت النهضة العلمية آنذاك جميع المرافق الاجتماعية والاقتصادية في ظل الإصلاحات التي قام بها محمد علي على الصعد السياسية والعسكرية والتربوية والزراعية، وكان هدفها بناء دولة تخلو من التعصب الديني والعرقي. أنشئت مدارس عدة، أولها مدرسة الطب الانساني في أبو زعبل عام 1827، تولى إدارتها الطبيب كلوت بك، وهي أوّل مدرسة طبية في البلاد العربية. أصدر كلوت بك العديد من المؤلفات الطبية مسهماً في إغناء المكتبة الطبية العربية، وكان الطبيب محمد الشافعي مترجمه الدائم.
يُعتبر “بواكير الطب الحديث” من أهم الكتب الطبية لاحتوائه معلومات في مختلف فروع الطب، ومن أهمها علم التشريح ووظائف الأعضاء ودراسة أعراض الأمراض قبل التطرق الى العلاج. يبدأ الكتاب الذي يقسم الى ستة فصول، بتعريف الأجزاء التي يتألف منها الجسم، وتوصيف وظائف الأعضاء، مركّزاً على وجوب معرفة الطبيب بعلم التشريح الذي يعتبره كلوت بك أساساً لعلم الطب. واعتبر ان عدم الإلمام بعلم التشريح في البلاد الشرقية، كان وراء عدم مهارة الأطباء. يتناول الكتاب في فصوله الستة، بشكل مبسّط ومفصّل، الإسعافات اللازمة للأطفال المولودين حديثاً، وشرحاً للأمراض الظاهرة والباطنة. ويعطي نصائح طبية للإسعافات اللازمة للمصابين بالتسمم والاختناق.