strong>مهى زراقط
“بين الصحافي والمحقق خيط رفيع، أعترف بأني قطعته بينما كنت أحاول البحث عن حقيقة زهير محمد سعيد الصدّيق”. هذا ما كتبه زميلنا في “تلفزيون الجديد” فراس حاطوم، قبل ساعات من توقيفه والادعاء عليه بتهمة “السرقة الموصوفة”. لم يكن يعرف بعد ما هي تهمته وزميليه عبد خياط ومحمد بربر. كتب لأنه يعرف أنه أخطأ في مكان ما، ظن أنه الخلط بين التحقيق والصحافة، علماً بأنهما، علمياً، لا يتنافيان. لكن تبيّن أن خطأ فراس هو... السرقة؟ تشبه هذه التهمة تلك التي تطلقها العديد من الدول العربية على صحافييها. «تستكثر» عليهم حرية الرأي والتعبير، فتخترع لهم تهماً أخلاقية مشينة. لبنان، السيّد الحرّ المستقل منذ 14 آذار (مارس) 2005، يسير على الدرب ذاته. هذا الصحافي الذي يعرف الجميع أنه “يحقق” (والمصطلح إعلامي) في قضية الصدّيق، لم يجدوا له تهمة أرفع مستوى من السرقة... التي تُرك “يرتكبها” تحت عين المخبر وكاميرته!
مؤسف... وما هو أكثر مدعاة للأسف سلوك الإعلاميين، وردة فعلهم تجاه قضية زميل لهم. وكأن ما حصل لا يشكل خطراً على كل الوسائل الإعلامية، وكأن شيئاً لم يمسّ الجسم الإعلامي.
هل يكفي أن يكون فراس أخطأ في مكان ما في عمله، لكي يصبح سارقاً مهدّداً بالسجن ثلاث سنوات على الأقل؟ هل يكفي التبرير، والقول إنه اندفع. ارتكب حماقة. “سرق” فعلاً... لكي نعفي أنفسنا من مسؤولية تبني قضيته(نا)؟ ألا تثير قضية حاطوم، أسئلة تتعلق بالمهنة التي نحلم جميعنا بممارستها على أصولها؟
من منا لم يحلم يوماً بإجراء تحقيق استقصائي؟ لم يحلم بأن تطلب منه مؤسسته التفرغ لإنجاز تحقيق واحد يفتخر به؟ أن توفر له كل ما يحتاج إليه من مصاريف في سبيل التوصل إلى معلومة جديدة تفيد الرأي العام؟ من منا لم يحلم بالتوصل إلى مستندات تكشف فضائح المؤسسات الرسمية؟ السرقات والهدر والفساد؟ كل صحافي حقيقي لا بدّ أن يكون قد حلم بهذه الأمور... وفراس حاطوم أحدهم: حلم ووجد مؤسسة تشجعه. هو صحافي أتيحت له فرصة القيام بتحقيق استقصائي يؤسس لمجتمع ديمقراطي، كما يرد في تعريف هذا النوع من الصحافة. ومن يعرف شروط الصحافة الاستقصائية يعرف أن أحد أبرز عوائقها الحصول على المعلومات. وأبرز إشكالياتها الأخلاقية كيفية الوصول إلى هذه المعلومات: هل يجوز للصحافي الكذب للحصول على معلومة؟ إنكار صفته المهنية؟ التصوير من دون طلب إذن؟ كلها أسئلة ترافق هذا النوع من العمل، وترتبط الإجابة غالباً بالقضية التي كان الصحافي يحقق فيها، وبقدرته على التوصل إلى نتيجة... وإذا حقق إنجازاً يصبح بطلاً ويحصل على جوائز، وإذا فشل تنصبّ عليه اللعنات.
حاول فراس وفشل، فهل نعيب عليه حماسته؟ تصديقه لتعريفات المهنة التي اختارها؟ هل كنا نقبل به صحافياً مرتشياً يتقاضى من السياسيين بدلاً لصورهم ومقابلاتهم؟ أم محرّراً لما تنقله وكالات الأخبار الأجنبية عنا؟ أم صحافياً مأجوراً يكتب خطابات السياسيين؟... أليس هذا ما يمتهنه العديد من الزملاء اليوم؟ قل لي أي صحافي تريد... أقل لك أي وطن تحلم به.